سَبَقت مُقدّمة “nbn”، المحسوبة على الرئيس نبيه بري، في ردّها على رسالة رئيس الجمهورية، موقفَ مجلس النواب في شأن مصير التكليف، بالقول إنّها ضربٌ لاتفاق الطائف، وستعيد لبنان إلى الوراء، ولن تؤدّي إلى نتيجة، ولا سيّما أنّ الحلّ ليس برسائل كهذه، بل بالمُسارعة إلى تشكيل حكومة لإنقاذ البلد من الغرق”.
لا يقلّ حدّةً موقف رئيس مجلس النواب الشخصيّ من الرسالة الرئاسية عن هذا التوصيف الإعلامي، ويتشارك فيه بالكامل مع الرئيس المكلّف سعد الحريري.
وعليه، حضرت سريعاً خارطة تحديد الأصوات (pointage) من خلال مواقف الكتل النيابية من مسار التكليف، حيث يصطفّ تيار المستقبل وحركة أمل وسليمان فرنجية والقوات اللبنانية والاشتراكي ضد التيار الوطني الحر، لكنّ كلّ فريق مع عدد من النواب المستقلّين، سيصدح صوته في جلسة مناقشة الرسالة، إذا حصلت. مع بعض الفوارق البسيطة التي لن تحجب مشهد رصّ الصفوف ضد رئيس الجمهورية.
وعلى الرغم من مصيريّة اللحظة والوقت المُستنزف، الذي لامس الخطّ الأحمر في عملية التأليف، رَبَط برّي الدعوة إلى التئام الهيئة العامّة لمجلس النواب يوم الجمعة، بالاكتفاء بـ”تلاوة رسالة رئيس الجمهورية” من دون مناقشتها التي يستعجلها رئيس الجمهورية. وتفيد المعلومات بأنّ برّي سيعيّن خلال الجلسة تاريخاً آخر للمناقشة والوقوف على رأي النواب من التكليف.
على قدر ما يحاول رئيس الجمهورية إثبات مضبطة الاتهام “نيابيّاً” بحق الحريري، وتأكيد ضرورة الخروج نحو خيار حكومي آخر، يُحرِج عون، وفق العارفين، حليفَه الأول حزب الله الذي لم يُرصَد له، منذ أزمة التأليف، أيّ موقف داعمٍ لوجهة نظر الرئاسة الأولى أو منتقدٍ لأداء الحريري، لا بل ساوى بين الطرفين على قاعدة “ضرورة الجلوس معاً والاتّفاق على حلّ العقد”.
تَوَجّه الرئيس ميشال عون إلى مجلس النواب “عملاً بمسؤوليته عن التكليف”، طالباً مناقشة الرسالة “واتّخاذ الموقف أو الإجراء أو القرار المناسب بشأنها”، مسلّماً بأنّ “الرئيس المكلّف بات عاجزاً عن تأليف حكومة قادرة على الإنقاذ والتواصل المجدي مع مؤسسات المال الأجنبيّة والصناديق الدوليّة والدول المانحة، لوضع برامج المساعدات، التي من شأنها إنقاذ الوطن النازف. ولا يزال يأسر التأليف بعد التكليف ويؤبّده، كما يأسر الشعب والحُكْم ويأخذهما معاً رهينة مسوقة إلى الهاوية، متجاهلاً كلّ مهلة معقولة للتأليف” بحسب الرسالة الرئاسية إلى ساحة النجمة.
وفق المعلومات، “الزبدة” السياسية، التي تضمّنتها رسالة عون إلى مجلس النواب، حضرت أيضاً في رسالته إلى الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون. ووفق مطّلعين، لم يصدر أيّ موقف فرنسي حتّى ليل أمس حيال الرسالة الرئاسية.
في الوقائع، هي ليست المرة الأولى، التي يستخدم عون صلاحياته الدستورية بأن يبعث رسالة إلى مجلس النواب تكتسب أيضاً أبعاداً طائفية ومذهبية لا تقلّ خطورة عن رسالة “درس التكليف”.
في 31 تموز 2019 أرسل رئيس الجمهورية رسالة إلى مجلس النواب لتفسير المادة 95 من الدستور، عقب تضمين مشروع موازنة عام 2019 المادة 80 حول حفظ حقّ الناجحين في امتحانات مجلس الخدمة المدنية، التي عكست نتائجها اختلالاً في التوازن الطائفي لمصلحة المسلمين.
ولاعتبارات كثيرة ضغطت عليه ومنعته من ردّ الموازنة لشطب المادة 80، استعاض عون عن ذلك برسالة إلى مجلس النواب لتفسير المادة 95، بما يكفل الالتزام بقاعدة التوازن الطائفي في الوظائف ما دون الفئة الأولى، حتّى لو على مستوى حرّاس أحراج ونواطير، طالما لم يُصَر بعد إلى تشكيل الهيئة الوطنية لإلغاء الطائفية السياسية.
تلقّف الرئيس نبيه برّي يومئذٍ “اللغم”، ودَفَشَ الجلسة إلى 17 تشرين الأول، وللصدفة، إلى اليوم الذي انفجر فيه الشارع، وأسّس لدخول لبنان نفق المجهول.
لاحقاً أدّت المساعي المكّوكية على خط بعبدا – عين التينة، التي قام بها نائب رئيس مجلس النواب إيلي الفرزلي، الذي كان لا يزال “مرغوباً فيه” في أروقة القصر الجمهوري، إلى تأجيل الجلسة. وتُوِّجت بزيارة برّي إلى بعبدا، والتوافق مع عون على “مخرج التأجيل” من 17 تشرين الأول إلى 22 منه، ثمّ إلى 27 تشرين الثاني… لكنّ أحداث الأرض أتت لتطيح بروزنامة نقاش مادة دستورية كانت ستفتح أبواب جهنّم تحت قبّة البرلمان في ظل غليان سياسي لم يهدأ منذ ذلك الوقت، و”يبشّر” اليوم بانفجار أكثر خطورة مع طرح “مصير” التكليف في مجلس النواب.
وفي ظلّ شبه الإجماع على أنّ الرسالة الرئاسية ستنقل الانقسام السياسي والطائفي إلى مجلس النواب، تقول مصادر قريبة من الحريري لـ”أساس”: “الرسالة ستواجَه بقسوة سياسية، ولا سيّما أنّها تتضمّن أدواراً لرئيس الجمهورية لا يجيزها له الدستور”.
وتعدِّد المصادر أبرز مكامن الخلل في الرسالة، قائلة: “تشير إلى دور لرئيس الجمهورية في توفير الثقة للحكومة في مجلس النواب، كي لا ننتقل من حكومة تصريف أعمال إلى حكومة تصريف أعمال أخرى، وإلى أنّ الرئيس المكلّف يصرّ على عدم التقدّم بتشكيلة حكوميّة تحظى باتفاقنا وتتوافر معها الثقة المطلوبة من مجلس النواب. هذا يعتبر تعدّياً على الصلاحيات. فالدستور لا ينصّ على قيام رئيس الجمهورية بـ”بوانتاج” لعدّ الأصوات بالنيابة عن مجلس النواب، وهو يسلّم سلفاً بسقوط التشكيلة الحكومية في البرلمان. حتّى لو سقطت هذه التشكيلة تتحوّل بحكم الدستور إلى حكومة تصريف أعمال. وتؤخذ الثقة من مجلس النواب لا من “المجلس الرئاسي” في بعبدا”.
وفيما تشير المصادر إلى وضوح الدستور في ما يتعلّق بصلاحية الرئيس المكلّف في تشكيل حكومته واقتراح الأسماء، تجزم أنّ “الرسالة تتغلّف بطابع دستوري، لكنها لا تستند إلى أيّ نصّ دستوري أو عُرف. وهي تغطي على تقصير رئيس الجمهورية في القيام بدوره المطلوب لإنجاز التشكيل، وتذهب إلى حدّ التحريض المباشر على رئيس تيار المستقبل، تماماً كما حرّض عون النواب على عدم تكليف الحريري عشيّة الاستشارات النيابية”.
وتوضح: “يتحدّث رئيس الجمهورية في رسالته عن “الرئيس المكلّف العاجز عن التأليف، وعن المهلة المعقولة للتأليف”، لكن عمليّاً رئيس الجمهورية عاجز عن التوقيع. والمهلة المعقولة التي أشار إليها كانت “غير معقولة” يوم تجاوزها، من عام 2014 إلى عام 2016، وعطّل نصاب مجلس النواب إلى حين “رِكبِت” التسوية التي أتت به رئيساً للجمهورية”.