تصدرت بلدة شويّا في محافظة النبطية – قضاء حاصبيا، يوم الجمعة الماضي المشهد السياسي والأمني في لبنان والمنطقة.
هذه البلدة الدرزية التي تحدها من الشرق شبعا، كانت الحدث، إذ أوقف أهلها عناصر تابعين لـ”حزب الله” لأنهم كانوا يستقلون شاحنة محملة براجمة صواريخ، فسيطروا عليها وقبضوا على العناصر الذين كانوا فيها وفي “الرابيد” الذي رافقها.
وعلى الرغم من علم الجميع أن هذا الأمر قد حصل انطلاقاً من رفض أهالي البلدة استخدام بلدتهم لإطلاق صواريخ على الأراضي المحتلة، أان ذلك يعني رداً إسرائيلياً يستهدف منطقة إطلاق الصواريخ أي شويّا نفسها، عمد بعض الذين ما استطاعوا تقبل الحادثة لانتماءاتهم الحزبية أو لكون المحور الممانع وليَّ نعمهم السياسية والاقتصادية، إلى إطلاق تهم العمالة وتخوين الذين أوقفوا الراجمة بحجة أنهم يُعيقون عمل المقاومة، علما أن “حزب الله” يمتلك ما يكفي من قرى جنوبية لإطلاق صواريخه على إسرائيل وفتح جبهة ضدها من تلك القرى التي يحاكي أهلها ويمثلهم بشكل كامل.
فبلدة شويّا ليست في محور الممانعة كما يدعي البعض، إذ أن 60% من أهلها ينتمون أو يناصرون التقدمي الاشتراكي بينما 40% منهم تجذبهم كل القوى السياسية الأخرى من حزب ديمقراطي وشيوعي وقومي وتيارات المجتمع المدني. بالتالي ليست شويّا الأقرب الى “حزب الله “سيما إن قارناها بالقرى المجاورة لها.
أخذ أهل البلدة خيار التصدي لعناصر “حزب الله” لأن شويّا، التي تعني باللغة السريانية الأرض الممهدة والمعدة للغرس والزرع، هي بلدة زراعية يقتات أهلها مما يزرعون ويسترزقون من خيراتها، وبالتالي فان فتح جبهة من هذه البلدة يعني نيراناً تلتهم أخضرها فتفاقم الأزمة المعيشية التي يعاني منها أبناء البلدة ككل اللبنانيين ومن ضمنهم جمهور “حزب الله”، الذي اختار شويّا لأسباب عديدة لربما أبرزها الإظهار للداخل والخارج بأنه يسيطر على لبنان سيما بلدات الجنوب على تنوعها، خصوصاً بعد حادثة خلدة الأخيرة أو جرّاء الاتهامات التي تُحمّل هذا المحور مسؤولية الإتيان بنيترات الأمونيوم التي انفجرت في مرفأ بيروت، وما رافق هذا الاتهام من حملات تدين الحزب.
شويّا التي يعود تاريخها الى العصور الآرامية بحسب أثارها وأشجار الزيتون المعمرة فيها والتي يزيد عمر الكثير منها عن 2000 عام، تمتلك تاريخاً مشرفاً في المقاومة والتصدي للمستعمرين والكيانات الغاصبة لا يحتاج لشهادة القوى التي تستلذ بتقييم درجة مقاومة هذا أو ذاك من دون وجه حق.
فقد كان لأهل بلدة شويّا دور مهم في تحرير حاصبيا عام 1860 مع الثوار الدروز، وكان لمشايخها تاريخ طويل في القوة والعنفوان خلال الثورة العربية الكبرى عام 1925 التي كانت بقيادة سلطان باشا الأطرش، وهنا تلمع أسماء كثيرة من هذه البلدة لاسيما اسم الشيخ أبو يوسف جمّاز.
وخلال الاحتلال الاسرائيلي للجنوب قاوم أهالي هذه البلدة اسرائيل بكل ما أوتوا من قوة ومواجهة وعزيمة.
وللبلدة أيضاً هنا حصة في الشهداء الذين سقطوا بوجه اسرائيل وهم في جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية (جمول) وابرزهم الشهيد مزيد دعيبس بطل عملية المحيدثة الذي استشهد في 1 أيار 1986 ونعاه الحزب الشيوعي، والشهيدان وليد ويوسف بركات بطلا عملية “الشهيد مزيد دعيبس” اللذان استشهدا في 5 أيار من العام نفسه، بعد تنفيذ العملية التي أدت الى مقتل حوالي خمسة إسرائيليين، وقد نعاهما الحزب التقدمي الاشتراكي.
إذا شويّا بتاريخها مخولة إعطاء شهادات في المقاومة ضد إسرائيل ولا يمكن لأي عاقل ان يتهم أبناءها بالعمالة، ولكن الاتهامات الباطلة ما كانت مفاجِئة سيما حينما أصبحت هذه التهم تعطى بناء على معايير سياسية اصطفافية تحت قاعدة “إما التوافق التام مع حزب الله أو العمالة”.
شويّا التي قاومت بالحرب وانتصرت، تقاوم اليوم بالسلم حيث يعاني لبنان أزمة اقتصادية من الأسوأ في التاريخ الحديث، بالتالي يبقى الحرص على الحفاظ على الأرض والأرزاق هو عين العقل وهو فعل المقاومة الحقيقية والجهاد الأكبر في زمن بات عدو اللبنانيين الأشد فتكا بنا جميعًا، هو الفقر والجوع والعوز.