يوم 13 تشرين الأول سنة 1990 لم يشهد انتصاراً للبنانيين على عدوّ أو محتلّ، ولم يحقّق إنجازاً تاريخياً غيّر مجرى التاريخ والإنسانية، إنما كان يوماً مشؤوماً، حزيناً، ملبّداً بغيوم سوداء أمطرت دموعاً وحسرة وجروحاً وأوجاعاً حطّمت البشر والحجر، بعدما أعدم النظام السوري المئات من جنود الجيش، إثر هروب قائده آنذاك العماد ميشال عون من قصر بعبدا إلى السفارة الفرنسية، وإعلان استسلامه من دون إبلاغ الرفاق الأبطال بالاستسلام.
إنه يوم الفاجعة الذي تفوح منه رائحة الدم والهروب والاستسلام، في حين أنّ “التيار الوطني الحرّ” يحرص في كل سنة على الاحتفال بتلك الذكرى، إن باستعراض شعبيته أو بالتصاريح النارية التي يطلقها رئيسه النائب جبران باسيل في كل اتجاه.
إلا أنّ الذكرى الجلل يجب أن تكون محفورة في الذاكرة كعبرة، وأن يتمّ استبدال كل الاستعراضات بيوم صلاة وقداديس على نية الشهداء علّهم يرتاحون في عليائهم، ولكي تفوح في الأجواء رائحة البخور الزكية علّها تخفي رائحة الموت التي تسبّبت بها أياديهم، وعلّ التضرّعات تكفّر شيئاً من ذنوبهم وأفعالهم.
إنها مجزرة 13 تشرين التي قلبت الأوضاع رأساً على عقب، والتي شكّلت نقطة فاصلة في التاريخ اللبناني وفي مسار “التيار الوطني الحرّ” الذي لم يعد يشبه نفسه لا بشعاراته ولا بتحالفاته، بل انقلب على مبادئه التي لطالما كانت سبباً في استقطاب المسيحيين من حوله، مما دفع المنشقّين عنه إلى دعوته للعودة إلى الأصالة والاعتراف بالأخطاء، خصوصاً في هذا اليوم الذي يشهد على تضحيات الكثيرين، والذي يستغله باسيل في مهرجاناته الشعبية، وفتح باب الانتساب إلى “التيار”، بعد أن نقل إحياء الذكرى إلى يوم 16 تشرين الأول في مجمّع “ميشال المر الرياضي” – منطقة نهر الموت، بالتزامن مع وضع سياسي واقتصادي ومالي متدهور.
المشهد منذ التسعينيات حتى اليوم، وفي نظرة بانورامية شاملة، تدفع كل العارفين والمطلعين أو الذين عاشوا تلك الحقبة إلى التساؤل أو الاحتجاج لدى الله عن الذنوب التي اقترفوها كي يمضوا زهرة العمر تارة في جهنم الحرب والرصاص والموت والدمار، وطوراً في جهنم الأزمات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والصحية والهجرة.
وكلها على مدى أكثر من 31 سنة، على يد شخص واحد، تارة كان رئيس حكومة وقائد جيش يطوّق رقاب العباد من كل الجهات، وطوراً حين أصبح رئيساً للجمهورية وأطلق الشرارة الأولى نحو جهنم بلهيبها وحروقها. كل ذلك على شرف “شعب لبنان العظيم”.
واقع مرير بمرارة أزمات اللبنانيين، دفعهم إلى التساؤل عن جدوى الاحتفال الشعبي الذي يقيمه “التيار” بالذكرى الأليمة، في حين فضّل بعض المنشقّين أو المعارضين لسياساته الحالية، إقامة القداديس والوقفات الرمزية وإضاءة الشموع، ووضع الأكاليل على أضرحة الشهداء، في وقت يقارن فيه الناس حتى جمهور “التيار” بين الحقبة الحالية التي تُعتبر الأسوأ على الإطلاق، وحقبة التسعينات التي كانت الأخطر على الإطلاق.
أبو جمرة: كان بالإمكان إنقاذ شهداء الجيش
لا يريد نائب رئيس الحكومة السابق اللواء عصام أبو جمرة، أن يتحدّث عن الذكرى الأليمة التي برأيه كان “بإمكان ميشال عون إنقاذ الجنود والضباط الذين هم اليوم شهداء، ونتمنى أن يكونوا في الجنة، ونحن نأسف عليهم. الشهداء قاموا بواجباتهم تجاه لبنان، والصلاة عن روحهم أفضل من أي احتفال شعبي”.
وسأل: “ما نفع وصول ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، والبلاد أصبحت في جهنم، واليوم علينا تعزية الناس بوجودهم في السلطة؟ فهم لم يفعلوا أي شيء لإنقاذ لبنان أو حتى للمحافظة عليه كما كان. اليوم، لا دولة ولا مؤسّسات”.
عون: أين “التيار” من مبادئ 13 تشرين؟
ولفت القيادي السابق في “التيار الوطني الحر” نعيم عون، إلى “أننا سنقيم قداساً بعيداً عن الاستغلال السياسي احتراماً للشهداء”، معتبراً أنّ “ما يقوم به (التيار) من فتح الباب للانتساب والتصريحات في الذكرى، ليس سوى دعاية لإيهام الرأي العام بأنّ شعبيته بخير، وأنه يشهد انتسابات جديدة في ظل الانهيار الشعبي.
إلا أنّ ذلك لن يلغي المشكلة الأساسية المتمثلة بتراجع الشعبية، ولا يمكن تجميل الصورة من خلال الماكياج الخارجي”.
وسأل عون: “أين (التيار) اليوم من مبادئ 13 تشرين حين كنا مؤمنين بمبادئ بناء لبنان أفضل على المستويات كافة، والتي استشهد كثيرون من أجلها؟ المبادئ اندثرت مع الأداء الحالي لقيادة (التيار). وعتبي عليه حين دخل إلى السلطة، فبدلاً من أن يسعى إلى التغيير، لعب لعبتهم”.
وشدّد على أنه “علينا التعلّم من أخطائنا لننطلق نحو الأمام. المهم كيفية مواجهة التحديات وليس الهروب والاستسلام. الشعب اللبناني لديه فرصة كبيرة في تحقيق التغيير من خلال الانتخابات النيابية المقبلة”.
سركيس: باسيل مصيبة على البلد
اعتبر المدرّب السلّوي الشهير غسان سركيس أنّ “جبران باسيل مصيبة على البلد، فنحن نمرّ بأوقات صعبة، ولا تجوز الاحتفالات والحشد الجماهيري وعرض العضلات.
خربوا البلد وما زالوا على عاداتهم، ويتعاطون مع الأمور بالنمط عينه كأنّ لا تغيير على الارض ولا الجيل الجديد نبذهم ونبذ كذبهم وسرقاتهم”، مشيراً إلى أنّ “أفضل ما يمكن القيام به في الذكرى الأليمة هو الصلاة على أنفس الشهداء، فلا يمكننا نسيان تضحيات وبطولات من استشهد في 13 تشرين.
الوقت ليس مناسباً للاحتفالات والمبادرات التي أفلتت من بين أيديهم”.
ورأى أنه “لا يمكنهم تجميل الصورة، فعند أي استحقاق ستظهر الحقيقة، والمستقبل بعيد عنهم وعن فكرهم وشعاراتهم.
اليوم، بعد كل هذه السنوات من النضال والوعود والتغيير والإصلاح، ثمة سقوط كبير ومدوٍّ لشخص الرئيس ووعوده.
أطلقتُ تسمية على هذا العهد، هي عهد الموت والدمار والانفجارات.
عهد دفن لبنان”.