قبل الدخول إلى قاعات المحاكمات في المحكمة العسكرية، يستقبل الزائر جندياً يرتدي بزته العسكرية ويرفع ميزان العدالة، متسلحاً بالكتاب الذي ينص على الدساتير والقوانين التي يعلو ولا يُعلى عليها، ليحكم باسم العدالة، فينصر البريء ويعاقب المجرم، إلا ان هناك اعترافاً من أهل البيت قبل غيرهم من محامين ودستوريين ان المحكمة العسكرية تتحدث باللغة العسكرية، وتنطق أحكامها وفق معادلة: نفذ ثم اعترض، أو وفق منطق: نعم نعم أو لا لا، من دون الحاجة الى التعليل أو التفصيل.
وبعيدا من الخوض في صلاحيات هذه المحاكم الخاضعة لسلطة وزارة الدفاع في محاكمة المدنيين، تحول محيطها في بيروت الى مكان للاحتجاج بشكل شبه يومي بسبب كثرة الملفات المحالة أمام المحكمة العسكرية.
وتزامنت وقفة أهالي موقوفي عين الرمانة أمس مع أهالي موقوفي عرب خلدة على خلفية أحداث خلدة، فالمطالب واحدة بين الجهتين، على الرغم من اختلاف القضيتين في منطقتين متباعدتين جغرافيا: الإفراج عن أولادنا الموقوفين ظلما.
وللمفارقة، فكما ان أهالي عين الرمانة يطالبون بإجراء تحقيقات عادلة ونزيهة وشفافة، وعدم معاملة “ناس بسمنة وناس بزيت” لان المعتدى عليهم موقوفون في حين ان المعتدين الذين أتوا بوجوه واضحة ومدججين بكل أنواع السلاح لم يتم إيقاف أي شخص منهم.
كذلك، عبّر أهالي الموقوفين من أبناء العشائر في خلدة، عن استيائهم من افتراءات المحكمة العسكرية إذ لا يزال واحد وعشرون شاباً من أبناء خلدة معتقلين لديها، ولم يلقَ القبض على أي من عناصر “حزب الله”.
وإذا كانت المصيبة جمعت أهالي موقوفي عين الرمانة وأهالي موقوفي أبناء العشائر في خلدة تحت شعار “ضربني وبكى سبقني واشتكى”، انطلاقاً من ان الحكم للقوي على الضعيف، فإن الطرفين يعتبران التحقيقات والاتهامات مفبركة ومسيّسة ولا تخضع لعدالة القانون.
وفي وقت تم إخلاء سبيل 4 موقوفين من الريحانية في قضية أحداث عين الرمانة، أكد أطراف معنيون ان القضاء العسكري لا يؤمن العدالة، ويجب حصر صلاحياته بمحاكمة العسكريين بجرائم منصوص عنها في قانون العقوبات العسكري، وتجارب الدول الديموقراطية كانت ناجحة في هذا الاطار.
عقيص: المحكمة العسكرية جسم غريب لا يشبه العدالة بشيء
رأى عضو تكتل “الجمهورية القوية” النائب جورج عقيص ان “الموضوع لا يتعلق بقضية موقوفي عين الرمانة حصرا ولا بموقوفي عرب خلدة حصرا، ولا علاقة لموقفي من المحكمة العسكرية بأي ملف آني وظرفي أو سياسي، انما المحكمة العسكرية أصبحت جسماً غريبا داخل المنظومة القضائية اللبنانية، لا يشبه العدالة بشيء، لافتا الى ان المحكمة العسكرية لن تبقى سيفاً مصلتاً على رقاب المدنيين، بالأداء والنهج والاجراءات والسلوكيات وطريقة تشكيلها وطريقة عملها كما هي اليوم.
انه أمر لم يعد مقبولا ولا علاقة للمحكمة العسكرية بأي دولة من دول العالم بمحاكمة مدنيين بجرائم منصوص عنها في قانون العقوبات العادي.
دورها محاكمة العسكريين بجرائم منصوص عنها في قانون العقوبات العسكري بجرائم عسكرية”.
وتابع: “تتوسع صلاحيات المحكمة العسكرية أكثر فأكثر، وتتعرض لكل حقوق الانسان من المحاكمة العادلة الى مخالفة أحكام المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية اذ أنه ما من مخالفة ممكن أن تُرتكب من سلطة قضائية الا وترتكبها المحكمة العسكرية في لبنان، مؤكدا اننا كتكتل نيابي، مع مجموعة كبيرة من الكتل النيابية الاخرى، سنحاول تغيير هذا الواقع المأساوي الذي لا يشبه النظام الديموقراطي ولا السلطة القضائية المستقلة التي نطمح لها، لأن المحكمة العسكرية ليست حيادية ولا مهنية ولا تعطي الضمانات للموقوفين والمتهمين فيها”.
وشدد على “انني لا أقبل لأحد حتى لو كان خصمنا في السياسة ان يحاكم أمام المحكمة العسكرية وبالطريقة التي تحكم بها.
الموضوع ليس له علاقة بالانتماء السياسي للمحاكمين أمامها.
الخطأ في القانون الذي أعطى المحكمة العسكرية صلاحيات واسعة لمحاكمة المدنيين، وفي الممارسة في آن واحد، لكن لكي نستطيع ضبط الممارسة علينا أولاً تعديل القانون، وهذا ما نحن في صدده، ولنر مواقف الكتل النيابية في هذا الاطار”.
واعتبر عقيص ان “هناك التباسا بتشكيل المحاكم العسكرية وبإجراءاتها وباتباع الاصول القانونية وتحديدا المادة 47 من قانون أصول المحاكمات الجزائية أمامها.
المحاكمة لا تراعي أي حق من حقوق الدفاع.
كل هذه الاسباب من اختصاصها وتشكيلها وتبعيتها لوزارة الدفاع وليس لوزارة العدل ومن ثم الضمانات المعطاة للموقوفين أمامها، تدفعنا الى اعادة النظر بالمحكمة العسكرية”.
المراد: ننشد المحاكمة العادلة عبر القضاء العادي
ورأى نقيب المحامين في طرابلس والشمال محمد المراد ان “القضاء العسكري في الكثير من الاحيان هو قانون تنظيم قديم، وهو في المبدأ لا يؤمن المحاكمة العادلة لجهتين: سواء للمتهمين أو لغياب أهالي الضحايا.
كما ان المحاكمة أمام القضاء العسكري هي محاكمة استثنائية تخضع لنظام خاص فيها، فرضتها ظروف استثنائية من تاريخ لبنان.
نحن ننشد المحاكمة العادلة عبر القضاء العادي الذي يؤمن حقوق الدفاع والحقوق المتوازنة بين الأطراف”.
ولفت الى انه “في انفجار التليل، لكون نقابة المحامين اتخذت موقفا واضحا عندما كان هذا الملف أمام القضاء العسكري، وشكلت مكتب ادعاء لأن هذا القضاء لا يسمح بتمثيل جهة الادعاء أمامها، كانت المطالبة بإحالة الملف على المجلس العدلي ولو كان استثنائيا لكنه يؤمن حقوقاً عادلة متوازنة أكثر من القضاء العسكري”.
وشدد على “اننا مع حصر صلاحيات القضاء العسكري في حالات خاصة معينة تتعلق فقط بالمؤسسة العسكرية، وكل ما هو خلاف ذلك يجب أن يذهب الى القضاء العادي.
وكانت هناك محاولات قديمة – جديدة من أجل حصر هذه الصلاحيات لكن هناك من يقف حائلاً أمام هذه الامور.
وبالتالي، الحل الصحيح والسليم الذي ينطلق من مفاهيم العدالة والمحاكمة العادلة هو اللجوء إلى القضاء العادي وليس إلى القضاء العسكري”.
وأشار الى ان “القضاء يجب أن يكون مستقلا ونزيها وعادلا ومتوازنا لكن المشكلة ليست هنا فقط انما في البنية الاساسية لعمل القضاء العسكري.
لا نطالب بالالغاء الكامل انما بحصر الصلاحيات، وهناك أنواع كثيرة من الجرائم ينظر فيها القضاء العسكري من المفترض أن تحال أمام القضاء العادي.
والكثير من الدول ذهبت في هذا الاتجاه، والتجارب كانت ناجحة في التخلي عن هذا النظام”.
واعتبر المراد ان “طريق الوصول الى العدالة شاق، ونحن بحاجة الى استقلال السلطة القضائية، والى قضاء مستقل نزيه مع التأكيد ان هناك قضاة شرفاء ومستقلين لكن هناك العكس أيضاً.
وبقدر ما نحن في حاجة الى تنقية الجسم القضائي، نحتاج الى قانون ينظم هذا الجسم ويحاسب ويسأل”.