كأن الاتصال الثنائي لولي العهد السعودي محمد بن سلمان والرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون برئيس الوزراء اللبناني نجيب ميقاتي، أشبه باتصال أحد البنوك بأحد عملائه يذكّره بدين قديم استحق سداده بعدما تراكمت الفوائد عليه.
كثيرون رأوا في هذا الاتصال مكسباً شخصياً كبيراً للرئيس ميقاتي، عبر عرابه ماكرون، في خرق حظر التواصل السعودي مع لبنان وسط الأزمة الديبلوماسية، لكنه في الحقيقة لا يعدو كونه إثقال أكتاف ميقاتي بأعباء الدين القديم بل وفوائده المتراكمة منذ زمن طويل.
الدَين هو تسلط “دويلة حزب الله” على “دولة الطائف” مع الفوائد السلبية الناجمة من مد النفوذ الإيراني في المنطقة لتتباهى طهران بأنها صارت تأسر أربع عواصم عربية من بغداد الى بيروت الى دمشق فصنعاء، وسط هزال عربي مخيف.
البيان الختامي، لزيارة ماكرون الى الرياض، رسم خريطة طريق سعودية ملزمة لميقاتي وغيره ممن سيأتون بعده، اذ قال: “شدد الجانبان على ضرورة قيام الحكومة اللبنانية بإجراء إصلاحات شاملة، لا سيما الالتزام باتفاق الطائف المؤتمن على الوحدة الوطنية والسلم الأهلي في لبنان، وأن تشمل الإصلاحات قطاعات المال والطاقة ومكافحة الفساد ومراقبة الحدود… واتفق الطرفان على العمل مع لبنان لضمان تطبيق هذه التدابير، وأكدا على ضرورة حصر السلاح على مؤسسات الدولة الشرعية، وألا يكون لبنان منطلقاً لأي أعمال إرهابية تزعزع أمن واستقرار المنطقة، ومصدراً لتجارة المخدرات”.
الالتزام بأي نقطة من النقاط العديدة في البيان، وهي أساساً تجمل الإشكال الذي قسّم اللبنانيين منذ العام 2005 بين “سياديين” و”ممانعين” وأسقط مفهوم الأغلبية والأقلية في لعبة الديموقراطية إذ أصبح السلاح زينة الانتخابات… الالتزام بأي نقطة يفاقم الوضع السيئ أصلاً ويفتح على أفق يكثر فيه “المرفأ” و”الطيونة”.
وإذ طُويت صفحة قرداحي، بظن أن ذلك يرسي أرضية صفقة، وبانتظار تطور ما في قضية بيطار يكشف فعلاً وجود صفقة أم لا، فإن السؤال: هل يُصلح العطار الميقاتي ما أفسده الحزب الإيراني طوال عقدين ونصف العقد؟
المهم، والمؤكد، الآن هو حقيقة أن السعودية باتت في ظل قطع العلاقات أكثر انخراطاً في الشأن اللبناني، إذ تجاوزت التعاطي من منطلق ما تتمناه من “السياديين” الى مقاربة “هذا ما أريد” من الجميع… إنها ديبلوماسية الحد الأقصى، وبغض النظر عن مآلات التفاوض النووي الإيراني.