هل سيعبّد طريق تشكيل الحكومة العتيدة من دون أن يضع العصي في الدواليب رئيس الجمهورية وقوى السلطة التي تمثلت في المجلس النيابي الجديد على إختلاف تنوعاتها؟
لا يبدو من الصورة المرتسمة حتى الآن أن هناك شخصية يمكن الإجماع عليها من الكتل النيابية الجديدة على إختلاف توجهاتها ومشاربها، ولا يمكن لأحد تجاوز الثقل النيابي للكتلة السنية وهذ الأمر بحد ذاته سيشكل معضلة كبيرة في الخيارات.
وعد “حزب الله” الرئيس “المحايد” نجيب ميقاتي بأن يدير المرحلة الانتقالية ما بين الاستحقاقين الانتخابيين، لكن فشله في الحصول على كتلة برلمانية وازنة تسبب بمشكلة فهو لم يحصد سوى نائب واحد، ما يحرج من يسعى الى طرح اسمه مجدداً، إضافة الى أن النواب السنة موزعون على الكتل النيابية ولا توجد كتلة كبيرة واحدة متوافق عليها كما الحال سابقاً عندما كان تيار “المستقبل” يحصد العدد الكبير من النواب السنة وكتلته هي الأقوى داخل البرلمان.
فالنواب السنة في المجلس الجديد موزعون ما بين المستقلين والتغييريين والسياديين وفريق الممانعة، ومن هنا يطرح سؤال في الأوساط السياسية: كيف ستنقذ العملية الدستورية في ظل هذا التشرذم والواقع الجديد الذي أحدثته الانتخابات النيابية التي لم تعط أكثرية لأحد ولم تأت بكتلة سنية وازنة لا يستطيع أحد تجاوزها؟
لا شك أنه بعد تخطي استحقاق انتخاب رئيس مجلس النواب ونائبه واللجان، سيكون موضوع تشكيل الحكومة والاستشارات الملزمة على نار حامية، بعد انتهاء النقاش حول الطرف الذي استطاع التحكم بالإدارة الإنتخابية، وفقاً لتوزيعة الحصص المذهبية، بحيث جرت عملية لسحب فتيل المناكفات وانتشل البعض غيرهم كما كان واضحاً في فرز الأصوات، بحجة ضرورة الذهاب بسرعة الى الاستحقاق الدستوري الذي يعتبر أساساً، الا أن ذلك لا يخفي حقل الألغام أمام هذا المجلس. فهل يستطيع المجلس الخروج بحكومة منتجة ومتوافق عليها من الجميع؟
ترى مصادر متابعة أن “تشكيل الحكومة استحقاق قانوني دستوري مهما جرى تأخيره فلا بد من تدوير زواياه لإنجازه، والا ستكون هناك مخالفات واضحة للدستور، وستتوقف حركة العمل النيابي ولن يستطيع هذا المجلس الجديد تقديم تجربة سياسية جديدة، للحكم على أداء الجميع”.
وتشير الى أنه “إذا لم ينجز الاستحقاق الحكومي فسندخل مرحلة الجمود عبر تصريف الأعمال. ولن يقدم أي رئيس سني بغض النظر إن كان مدعوماً أم لا من رؤساء الحكومة السابقين أوراق اعتماده ليتعايش مع الرئيس ميشال عون وخاصة أنه لم يتبق له سوى ثلاثة أشهر، ونظراً الى التجربة الماضية التي حرق فيها عون وحزب الله العديد من الشخصيات السنية.
وهنا تبرز المشكلة الجديدة، فحتى لو طرح اسم شخصية سنية، يستطيع حزب الله أن يؤمن لها الأكثرية غير الميثاقية أي النصف زائداً واحداً، فلن تكون مقبولة على الصعيد الداخلي بل منبوذة سنياً، ولن تحظى بدعم دولي، كما أنها لن تكون محل إجماع عربي، ولا شك أنه سيكون هناك رأي واضح للمملكة العربية السعودية في مباركة هذه الشخصية أم لا.
وقد يلجأون الى اعادة إحياء شخصية مثل حسان دياب وسنعيش مرحلة تشرذم وتفكك، لكن المسألة القانونية هي التي تمنع حزب الله من الاقدام على مثل هذا الخيار لغياب التغطية السنية بالدرجة الأولى”.
وتوضح المصادر أن “تكليف شخصية ذات شرعية يجب أن يحظى بالأكثرية النيابية وهذا لن يحصل، فلا الأكثرية موجودة عند الحزب لكي يقدمها، ولا الأكثرية السنية موجودة ليضغط عليها، وهذا يعني أنها لن تكون شخصية محمية عربياً ودولياً، وعليه فإن حزب الله اليوم لم يعد يستطيع التحكم بتشكيل الحكومة بمفرده”.
وتلفت الى أن “الكتل النيابية لا تزال تختلف في كيفية التعامل مع طبيعة الحكومة المقبلة التي يجب أن تكون لها مهام كبيرة في حل الأزمات والتعامل مع المجتمع الدولي، ومن هنا سمعنا كلام جبران باسيل عن تمثيل القوى والأحجام، أي هو يقول بوضوح انه يمتلك كتلة كبيرة ويريد أن يكون تمثيله في الحكومة العتيدة وفقاً لحجمه كما يعتبر، وهذا يعني أنه يريد السطو على الحكومة من جديد، على الرغم من معرفته ومعرفة حزب الله بأن هذه الحكومة ستصرّف الأعمال أو ستقود البلد مجتمعة في ظل الفراغ الذي قد لا تعرف مدته. وبالتالي لن يقبلوا الا أن يكونوا ممثلين فيها وقالوها بأنهم يريدون حكومة أقطاب سياسية.
ومن هنا سيكون الخلاف مع الأطراف الأخرى، فموقف السياديين كان بعدم المشاركة، والتغييريون طالبوا بحكومة كفاءات وليس أقطاب ومحاصصات، ورأينا دور وليد جنبلاط الذي يحاول إعادة الهيبة الى موقع كتلته من خلال التصويت الذي ساهم في وصول نبيه بري مجدداً الى رئاسة المجلس والقول بأن هذه أكثرية برلمانية وليست أكثرية حزب الله، الذي أراد أن يلعب دور بيضة القبان من جديد بين السياديين والتغييريين من جهة وكتل الثنائي الشيعي والتيار الوطني الحر من جهة أخرى، لكي يظهر أنه على مسافة واحدة من الجهتين وأن الجميع بحاجة الى كتلته”.
وتعتبر المصادر أنه “تمت العودة الى طرح ميقاتي كنقطة تجاذب ولكن هذا الأخير لن يحصل على أكثرية ولن يكون مدعوماً، وهو على خلاف مباشر مع رئيس الجمهورية وربما يؤيده رؤساء الحكومة السابقون حتى يلعب هذا الدور، ولكن على الأرض وفي داخل المجلس من يمثل وهل له غطاء شعبي، فمن لم يستطع أن يكون زعيماً في مدينته كيف له أن يتزعم في موقع رئاسة الحكومة؟”، موضحة أنه “ليست هناك أكثرية برلمانية تؤيد ميقاتي سوى بالابتزاز أي ما يسميه البعض تدوير زوايا، وعندها لن تكون هناك حكومة فاعلة وقد لا تأخذ ثقة البرلمان، وبذلك يكون ميقاتي فقد أكثر مما ربح في دخوله لعبة باسيل الذي قد يدعمه بشروط تحصيل ما لم يحصل عليه منه سابقاً، ويفتح الباب السياسي لجبران بعدما أخرج من الصالونات السياسية والشارع”.
ولا تخفي أن تكون العودة الى طرح اسم الرئيس سعد الحريري في الأوساط السياسية، هدفها “سعي عون الى الانتقام من ميقاتي وبري والذهاب نحو هذا الخيار، ولكن ليس هناك موقف واضح من غالبية السياديين بشأن هذا الموضوع، اما التغييريون فلديهم مرشحهم وهو نواف سلام وقد يعاد طرح اسمه مجدداً، الا أن حزب الله سيفعل ما بوسعه لإبعاده عن ترؤس الحكومة وتحديداً في هذه الفترة وسيحرّض المسيحيين على رفض اسمه”.
ولا تتجاهل المصادر “سعي بري وجنبلاط من تحت الطاولة الى إيجاد توافق على طرح اسم السفير مصطفى أديب الذي طرح سابقاً وذهب من دون أن يقدم أي شيء الى عون، لاعتبارهما أن هذا الاسم سيرضي السنة وفي هذا الطرح غزل واضح للفرنسيين، خاصة أن ايمانويل ماكرون وعد بأنه بعد الانتخابات النيابية في فرنسا سيأتي في زيارة عمل الى لبنان للبحث الفعلي في كيفية مساعدته على الخروج من الأزمة التي بات الشعب اللبناني يقع تحت أعبائها”.
وتختم المصادر: “في ظل هذه التوجهات المختلفة يبدو أننا سنكون أمام مرحلة صعبة، فلا حكومة ولا توافق ولا دعم عربي. ومن هنا كان سعي المجتمع الدولي الى الاسراع في توقيع اتفاقات سريعة مع حكومة ميقاتي قبل تحولها الى حكومة تصريف أعمال”.