تقترب ساعة نهاية العهد يوماً بعد يوم، وبدل أن يجتهد من أجل تشكيل الحكومة في الوقت الدقيق الذي تمر به البلاد، تخوض قاضيته المدللة غادة عون المعارك عنه، وآخرها امس حين وصلت مع قوة من أمن الدولة إلى مصرف لبنان لمداهمة الحاكم رياض سلامة، وقد كسرت بذلك قراراً صدر عن القاضي المناوب في النيابة العامة الاستئنافية في بيروت رجا حاموش، الذي أصدر إشارة بمنع أمن الدولة من دخول “المركزي”، فدخلت عون وبعض العناصر إلى المصرف، وتمكنت من الوصول إلى الطابق الموجود فيه مكتب الحاكم لكنها لم تدخله، وبدأت البحث في المكاتب والخزنات عنه ولم تستطع إيجاده، فيما أوردت المعلومات أن الحاكم كان في مكتبه طوال الوقت.
هذه المداهمة لم تمر من دون إدانة من الرئيس المكلف نجيب ميقاتي الذي أسف في بيان لـ”الطريقة الاستعراضية التي تتم فيها معالجة ملفات قضائية حساسة لها ارتباط بالاستقرار النقدي في البلاد مما يعرّض البلد لاهتزاز لا تحمد عقباه”.
واعتبر أن “مداهمة المصرف المركزي بهذا الشكل الاستعراضي وسط تداخل الصلاحيات بين الأجهزة القضائية ليس الحل المناسب لمعالجة ملف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة”. وقال: “لسنا متمسكين بأحد ولا ندافع عن أحد، بل نتمسك بالقضاء العادل بعيداً عن الاستنسابية مع الحرص على سمعة لبنان المالية دولياً”.
ورأى أنَّ “المطلوب أن تتم معالجة ملف حاكم مصرف لبنان بتوافق سياسي مسبق على حاكم جديد للبنك المركزي ولتأخذ القضية مجراها القانوني المناسب بعد ذلك”.
ملف حاكمية مصرف لبنان شائك، وبالطبع لا بد من مساءلة ومحاسبة بعد الأزمة التي حلت بالبلد، ولكن “العهد القوي” لا يحارب من أجل المحاسبة، فكل همه أن يضع منصب حاكم المصرف المركزي تحت سيطرته، لأنه لم يستطع تحقيق إنجاز واحد، وفي أيامه الأخيرة، يريد أن يضمن له مقعداً سلطوياً، يستطيع من خلاله محاصرة أي رئيس جمهورية مقبل، أو منصب حاكمية مصرف لبنان، أما المنصب الثاني الذي من الصعب أن يناله فهو قيادة الجيش، وكأن هذه المراكز الأساسية يجب أن تخضع لسلطة حزبية ما، بدل أن تكون لكل اللبنانيين.
وأشارت معلومات “لبنان الكبير” الى أن ملف سلامة عندما وصل إلى المدعي العام المالي القاضي علي إبراهيم، نصحته مرجعية سياسية بعدم البت به، وتحديداً لأن القاضي المحسوب على “التيار الوطني الحر” القاضي زياد أبو حيدر تهرب من الملف بعد أن كان أسند إليه، ورماه في حضن القاضي إبراهيم، اذ تتخوف المرجعية من أن يتم اللعب على وتر الطائفية في هذا الملف، كون النائب الأول لحاكم مصرف لبنان هو من طائفة إبراهيم نفسها، وتتوجس من فخ ينصبه “التيار” في هذا الملف كي يسوّق له شعبياً، ويثير بلبلة من منطلق طائفي.
كلما اقتربت نهاية “العهد القوي” زاد من بطشه، فملف مثل ملف حاكمية مصرف لبنان لا يعالج بالشعبوية، كونه يؤثر بصورة مباشرة على السوق النقدية في لبنان، مما قد يسبب خضات لا يستطيع المواطن أن يتحملها. هذا الملف يعالج بالأطر القانونية، لا محكمة الرأي العام، ويجب أن يتم التحضير لبديل عن الحاكم، والاتفاق على اسم، وحتى اليوم لم يقترح أي فريق سياسي أسماء يمكن مناقشتها لتولي المنصب، وكل ما طرح بعض الأسماء من الطائفة الباسيلية لا المارونية، لهذا رفضتها غالبية القوى السياسية، لأن هذا المنصب يجب أن يبقى مستقلاً، لا أن يأخذ طرفاً، وتحديداً يجب منع الطرف الذي أوصل البلد إلى جهنم من أن يسيطر على هذا المركز الذي يعنى بالنقد والتعامل مع المؤسسات المالية الدولية.