لم يعد شارع الحمراء المتعارف عليه كرمز من رموز بيروت القديمة والجميلة، ولا عنواناً يقصده من يرغب في معرفة تراث لبنان نظراً الى ما تعرض له هذا الشارع ولا يزال.
فبعد أحداث 7 أيار، والحرب الطائفية وغزو السوريين لشارع الحمراء وتمركزهم فيه وجعله مقراً مهماً لأعمالهم ومصدر رزقهم من خلال إستثمار عدد كبير منهم في المحال التجارية والمطاعم، والاستعراضات العسكرية والأمنية للحزب “السوري القومي الاجتماعي”، لم يكن ينقص هذا الشارع سوى تحويله الى منطقة طائفية ومذهبية بإمتياز، خالية من واجهتها الثقافية والثورية.
ومن يعرف جيداً مفاهيم ثورة الحسين على الفساد لن يقبل أن يعيش الشعب اللبناني ما يعيشه اليوم، ومن يريد التمثل بأخلاق الحسين وقيمه لن يرضى أن يكون شريكاً وضابط إيقاع في السلطة الحاكمة، ومن يريد التعبير عن رسائل الحسين لن يسمح بإستفزاز شريحة كبيرة من الشعب عبر إحياء مجالس عاشوراء على مسرح “المدينة” وليس داخل الحسينية.
وبالعودة الى إفتتاح مسرح المدينة مكان “سينما المدينة” في منطقة كليمنصو، فقد أضفى هذا المسرح دلالة رمزية على رواد منطقة الحمراء وسكانها، ويومها شعر اللبنانيون أن الحياة عادت مجدداً الى لبنان عموماً والى شارع الحمراء خصوصاً. وقدمت على خشبة المسرح مئات المسرحيات اللبنانية والعربية واللبنانية والعروض الفنية والتشكيلية والغنائية والثقافية، ووقف عليه آلاف الفنانين والممثلين المهمين الى حين إقفاله ثم إنتقاله الى بناية سارولا في منطقة الحمراء حيث استمر في تقديم عروض مميزة لفترات طويلة.
وبعد الاعلان عن احياء مجالس حسينية داخل مسرح المدينة بموافقة المخرجة والممثلة نضال الأشقر التي أكدت أنها لن ترفض طلب أحد، تتبادر الى الأذهان أسئلة عدة: أي فن سيقدمه “حزب الله” داخل هذا المسرح، اللطم على على الوجوه أم ثقافة الموت الايرانية التي يمتاز بها؟ وما العرض المسرحي الذي سيساعد البيئة الشيعية في نظر “حزب الله”؟ وهل بات مصير مسرح بيروت مماثلاً لحال معرض بيروت للكتاب في دورته الأخيرة من خلال الغزو الايراني له ونشر ثقافة سليماني وخامنئي؟
في حديث لموقع “لبنان الكبير” مع المحلل السياسي علي الأمين أوضح أن “صورة شارع الحمراء كانت عبارة عن مركز ثقافي فني تجاري وتلاق وتنوع لبناني على مختلف الصعد. والحمراء كانت دائماً ترمز الى الصورة اللبنانية ذات الخصوصية الجميلة، وبات هناك إنكفاء وانحسار لهذا الدور في الآونة الأخيرة”. وقال: “المجالس الحسينية يجب أن تقام داخل الحسينية أو الأماكن المتعارف عليها من حيث المجالس، والمفارقة أن تقام في مسرح المدينة، وهذا المجلس بمعنى ما يقام في الحسينية سيقام على المسرح، فلمَ لم تتم مقاربة مسألة عاشوراء من حيث الشكل الفني؟ وكنا ننتظر من الممثلة نضال الأشقر أن تضع شروطاً في إطار اقامة عمل فني، فما هي الاضافة النوعية التي سيقدمونها في مسرح المدينة؟ هذا المجلس يقدم مثيله في مئات المراكز والحسينيات فأين العرض النوعي والفني؟ ولماذا لم يتم تجسيد مسرحية عاشوراء لكانت أقل ضرراً؟”.
ولفت الأمين الى “عدم امكان القيام بمجلس عزاء داخل المسرح، والفنانة نضال الأشقر لا تملك قاعة تجارية بل مسرح ولديها هم نهضة الثقافة في البلد وهي معنية بوضع شروط لأي عمل، لأن المسرح لديه شروطه ومميزاته وهويته. ومنطقة الحمراء اليوم تعكس حالة الانهيار الحاصل في البلد ورمزيتها تتغير لصالح ما هو أسوأ”.
وتساءل: “ما الغاية من مجلس عزاء في مسرح المدينة؟ وما الحكمة التي تقدمها لعاشوراء والحسين؟ أرى أنهم يتسببون بنفور اضافي وعدم جاذبية لهذا النشاط. فهل الغاية باتت إستفزاز الفئة الأخرى أو إيصال رسالة بأنهم قادرون على إحياء ما يريدون في كل المناطق؟ وهذا يتنافى مع كل فكرة الحسين وثورة الحسين وأخلاق الحسين وقيمه. وبالتالي القيمون على هذا النشاط همهم الحسابات الحزبية الضيقة وشد العصب”.
اما النائبة بولا يعقوبيان فاعتبرت أن “القيمين على المسرح لا يرون أن هناك مشكلة في الموضوع، والذين ينظمون مجلساً عاشورائياً في مسرح يرونها مناسبة. في النهاية نحن في بلد حر وكل شخص لديه حرية الاختيار. وهذا مجلس عاشورائي وديني يحبون القيام به في مسرح انه قرارهم ولا يجب القيام بأزمة بسبب هذا الموضوع خصوصاً وأن الأزمة الحقيقية هي في كيفية تمرير قانون السرية المصرفية الذي أفرغ من مضمونه، ويبدو أن صندوق النقد الدولي لن يرضى به، كما أن الأزمة الحقيقية هي أزمة الطحين والمياه والكهرباء…”.
أضافت يعقوبيان: “لدي إنطباع بأن هناك جهة لديها مصلحة في حرف الأنظار الى مسائل لا تغيير في طريقة العيش فيها، وتحاول القيام بمعارك على مسائل ليست في صلب الأولويات. فالأولوية للشعب وهناك عودة الى المدارس في الشهر المقبل ولا أحد يعلم بأي طريقة، وهناك أزمة معيشية مخيفة ونحن ذاهبون الى انهيار اقتصادي غير مسبوق، بلد مهدد بمجاعة وأتمنى أن يكون التركيز على المجلس النيابي عبر اقرار القوانين الاصلاحية والتوقف عن إفراغها من مضمونها ووقف عملية زرع الأرانب”.
بعد أناشيد “حزب الله” داخل قلعة بعلبك سنشهد موجة جديدة من مناسباته على الرغم من أن القيمين على هذه المجالس يدركون جيداً ماذا يعني إحياؤها في المسارح وفي منطقة الحمراء تحديداً التي تعج بالسيّاح الأجانب والعرب من مختلف الجنسيات، ومن الواضح أنها خطوة ممنهجة من أجل ضرب آخر ما تبقى من مناطق تراثية لبنانية وسياحية. فما هي الواجهة الجديدة لـ “حزب الله” في الفترة المقبلة؟ وماذا في جعبته بعد؟