قمع الأيغور.. هدف “أوزيل” في مرمى الصين

2 يناير 2020
م استبعاد أوزيل من الرسم البياني للتشكيلة الأساسية ولم يتم ذكر اسمه في أي وقت أثناء التعليق
م استبعاد أوزيل من الرسم البياني للتشكيلة الأساسية ولم يتم ذكر اسمه في أي وقت أثناء التعليق
مثلما ترى تركيا نفسها معنية بقضية الأيغور لأسباب دينية وإثنية على حد سواء، ربما تكون الأسباب نفسها هي ما دفعت لاعب كرة القدم التركي الأشهر مسعود أوزيل للتكلم عن هذه القضية، الأمر الذي استدعى رداً من قِبل السلطات الصينية.
على مدى سنوات طويلة، تعرض شعب الأيغور غرب الصين لقمع حكومي ممنهج. لم يكترث كثر في العالم الإسلامي أو خارجه لأمرهم، إنما بقوا، منذ تاريخ ثوراتهم الحديثة أوائل التسعينيات، وانتفاضات عامي 2009 و2014، مشكلة صينية داخلية، لا قضية ذات أهمية دولية.
فقد غرد لاعب نادي أرسنال الإنكليزي قائلاً: “في الصين يُحرق القرآن، وتغلق المساجد، وتحظر المدارس الإسلامية، ويقتل علماء الدين واحداً تلو الآخر”، مضيفاً ان “الذكور يساقون قسراً إلى المخيمات، فيما تجبر المسلمات على الزواج من الرجال الصينيين.. وعلى الرغم من ذلك فإن المسلمون هادئون”، وذلك على صورة خلفيتها مساحة زرقاء عليها الهلال والنجمة، وهو ما يعتبره الانفصاليون الأويغور علماً لـ”تركمناستان الشرقية”.
رفع أوزيل القضية إلى مرتبة أعلى، بعدما لاقت تغريدته مئات الآلاف من المشاركات، واستدعت رداً من السلطان الصينية التي رأت أن أوزيل “مغرر به، وليس إلا ضحية للإعلام السيء الذي يسعى لتشويه صورة الجمهورية الصينية”. هذا وحذفت شركة “نت إيز” الصينية أوزيل من نسخة لعبة “بي إي إس” المتداولة في الصين، معتبرة أنه “تسبب بالأذى لمشاعر المشجعين الصينيين وخرق الروح الرياضية للحب والسلام.. ولن نسامحه على هذا التعليق”.
مؤخراً، ومع تعزيز دور الإعلام العالمي وسعيه الدؤوب للإضاءة على كافة الشؤون الدولية وتغريدات المشاهير، تحوّلت قضية الأيغور إلى قضية لامست الإهتمام العالمي. لم يُطرح أمرها بشكل جدي في مجلس الأمن إلى الآن، لكنها باتت على صفحات الجرائد ووسائل التواصل الاجتماعي. لم تأخذ أي دولة قراراً ملموساً بشأنهم، لكن بعض الشعوب باتت تسعى لمقاطعة الصين وإيذاءها بشكل أو بآخر.
يأخذ ضغط الحكومات ضد الأقليات أشكالاً متعددة، إلا أن أغربها وأقساها، في حالة الأيغور، هو الركون إلى نظام سُمي بـ”مخيمات التلقين”. وهو عبارة عن مخيمات أقرب إلى السجون التي تضم بضعة آلاف في كل واحدة منها، والتي أشارت عدة دراسات أميركية وبريطانية إلى مرور حوالى مليون شخص (7 في المئة من سكان إقليم شينجيانغ) في تلك المخيمات منذ السنة الماضية.

وهناك، في مراكز الاعتقال الجماعية التي أنشأتها الدولة، يتعلم الأيغور بشكل تلقيني حب تراب الوطن والولاء لإيديولوجية الدولة، كما نكران الدين وفروضه عبر الخضوع لمجموعة محاضرات والتعرض لأساليب عنفية من حجز وضرب لإقناعهم بعدم صلاح دينهم ورجعية هويتهم الخاصة.

وكانت تركيا الدولة الوحيدة التي رفعت قضية أقلية الأيغور منذ عام 2009، وأظهرت ممارسات الدولة الصينية المشينة للعالم. تكلم الإعلام التركي بشكل دائم عن الممارسات حكومة بكين، وذكر رئيس الدولة رجب طيب أردوغان قضية تلك الأقلية على المنابر الدولية. لم ينفع أي شيء من هذا في تغيير السلوك الصيني، ولا نفع في حث دول العالم على التحرك لوقف ما يجري في “شينجيانغ”، أو حتى اعطاءه أولوية على شاشاتهم ومواقعهم الإخبارية. إنما أتى الضغط الدولي من لاعب كرة قدم شهير، كان سباقاً في طرح القضية على الملأ، وجر الآخرين للحديث عنها.
وحجب التلفزيون الصيني الرسمي مباريات نادي أرسنال عن محطته، الأمر الذي استدعى تدخل واستفادة وزير الخارجية الأميركية من كل هذه البلبلة. تدخل مايك بومبيو عبر تغريدات متتابعة له دعماً لأوزيل وشجباً لتصرفات الدولة الصينية، معتبراً أنه “يمكن لوسائل إعلام الحزب الشيوعي الصيني الحاكم حجب أوزيل ومباريات نادي أرسنال طوال الموسم، لكنها لا تستطيع حجب الحقيقة.. هذا الحزب لا يستطيع إخفاء انتهاكاته لحقوق الإنسان ضد الأيغور وبقية الأقليات الدينية من العالم”.
عن قصد أو دون قصد، سجل أوزيل هدفاً في مرمى الصين ورفع قضية الأيغور إلى مرتبة أسمى. لم يعد القمع الصيني مجرد خبر نادراً ما يُذكر في الإعلام الغربي، إنما مسألة يتم التطرق إليها بشكل دائم. ما قبل كلمات أوزيل ليس كما بعدها. إذ كثرت منذ تلك التغريدة الأصوات الدولية وبيانات الدول وتعليقات الرياضيين والفنانين والإعلاميين الأميركيين حول “مخيمات التلقين”، بعدما كانت غائبة عن الإعلام ودون أهمية تذكر.
من ناحية أخرى، لاقت تغريدة أوزيل وما تدعو إليه تأييداً خجولاً من المسلمين والعرب. فباستثناء تركيا، لم يكترث كثر من المسلمين لكل هذا الأمر، ولم يتخطَ تضامنهم تغريدة شاتمة للصين من هنا أو “ستاتوس” عدائي من هناك، كما بضعة دعوات خجولة لمقاطعة البضائع الصينية لم تلقَ تجاوباً حقيقياً من الجمهور.

لا يهتم بومبيو أو غيره من الساسة لأوزيل وتمريراته الكروية الحاسمة بطبيعة الحال، إلا أنهم لم يضيعوا فرصة سانحة لانتقاد الصين، وذلك على خلفية التوتر في العلاقات الأميركية – الصينية، والحرب التجارية بين البلدين. قد يكون الحظ صديقاً لأوزيل في تغريدته، دون أن يدري مسبقاً أنها ستكون مؤثرة جداً، غير أن الأكيد أن ما قبل كلماته ليس كما بعدها، إذ لم تعد قضية الإيغور غائبة عن الإعلام أو ضحية للتجاهل وعدم الاكتراث الدولي.