بعد موقف حماس الجديد.. ما مصير مفاوضات الهدنة؟

17 مارس 2024
بعد موقف حماس الجديد.. ما مصير مفاوضات الهدنة؟

أعادت مستجدات الأيام الأخيرة إحياء آمال التوصل لهدنة في الحرب الدائرة بين إسرائيل وحماس منذ أكثر من خمسة أشهر في غزة، بعد تأجيل الحركة لمطلب وقف إطلاق النار إلى مرحلة لاحقة، الذي كانت تضعه كشرط أساسي لأي اتفاق بشأن إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين بالقطاع.

واقترحت حماس، الجمعة، اتفاق هدنة من ستة أسابيع يتضمن مبادلة رهائن بمعتقلين فلسطينيين، في موقف يعتبره محللون “أكثر مرونة”، ومن شأنه أن يفتح الباب للتوصل إلى اتفاق طال انتظاره، خاصة بعد أن استقبلت أطراف إسرائيلية الخطوة بـ”إيجابية”.

“تقدم كبير”
وأكد مسؤولون إسرائيليون، أن الاقتراح الأخير الذي قدمته حركة حماس بشأن الهدنة، يحمل “تقدما كبيرا لصالح إسرائيل”، حسبما نقلته صحيفة “هآرتس” المحلية.

وكشف مسؤولون وصفتهم الصحيفة بالبارزين، أن الحركة المصنفة إرهابية بالولايات المتحدة ودول أخرى، “تنازلت في مقترحها الجديد عن مطلب الوقف الدائم لإطلاق النار، وتأجيل مناقشته حتى المرحلة الثالثة من الاتفاق، ما يعني إمكانية إطلاق سراح عدد كبير من الرهائن، بغض النظر عن نقطة إنهاء القتال بشكل نهائي”.

وبعد أكثر من خمسة أشهر على بدء الحرب، تواصل دول الوساطة، الولايات المتحدة وقطر ومصر، مساعيها من أجل التوصل لاتفاق على هدنة وصفقة تبادل.

وفشلت جميع الجهود التي بذلت هذا العام للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار وإتمام عملية التبادل، رغم تزايد الضغوط الدولية جراء الخسائر البشرية الناجمة عن الحملة البرية والجوية التي تشنها إسرائيل على قطاع غزة.

المحلل السياسي الإسرائيلي، يوآب شتيرن، يرى أن المقترح تضمّن “تنازلات مهمة” من شأنها أن تقود للتوصل إلى صفقة، غير أنه يشير إلى أنه يجب أن ينظر إلى المستجدات الأخيرة بـ”تفاؤل حذر”.

ويؤكد شتيرن في تصريح لموقع “الحرة”، أن هناك إمكانية للوصول إلى اتفاق بشأن المرحلة الأولى، لكن ليس من المؤكد التوافق حول باقي المراحل التي تشمل إفراغ السجون بإسرائيل من السجناء الفلسطينيين وإنهاء دائما لوقف إطلاق النار وهو ما يتمسك الجانب الإسرائيلي برفضه.

وأعلن رئيس الوزراء  الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، أن مجلس الوزراء الحربي والمجلس الوزاري المصغر سيجتمعان، الأحد، لمناقشة إرسال وفد إسرائيلي للمفاوضات في قطر، غير أنه لم يحدد موعد إرساله أو من سيشارك فيه.

لكن حليف نتانياهو، وزير المال الإسرائيلي، بتسلئيل سموتريتش، دعا، السبت، عبر منصة إكس رئيس الوزراء إلى “إعطاء أوامر للوفد بالبقاء في إسرائيل”، وإلى “تشديد الضغط العسكري إلى حين القضاء على حماس”.

في هذا الجانب، يقول شتيرن، إن ائتلاف نتانياهو اليميني يتمسك باستمرار الحرب ويقف أمام عدم التوصل لانفراجة، لأن انتهاء الحرب يعني إجراء انتخابات سيخسرها، وبالتالي يفضل هذا الائتلاف أن تستمر المعارك.

من جهته، يرى المحلل السياسي الفلسطيني، أشرف العكة، أن حماس عبر مقترحها الأخير “تبدي مرونة” بشأن التوصل لاتفاق هدنة بالقطاع، مشيرا إلى “أن المعارضة اليوم من نتانياهو فقط”، الذي “يراوغ ويعقد ويؤجل التوصل لحل” على حد تعبيره.

ويوضح العكة في تصريح لموقع الحرة، أن التباين الحاصل في مواقف أعضاء مجلس الحرب الذين يدفع بعضهم لإكمال الصفقة، علاوة على الانتقادات الداخلية الواسعة لحكومة نتانياهو وتصاعد  الضغوط الغربية، كلها تكشف أهمية التوصل لهذا الاتفاق.

وقال مصدر مطلع على المحادثات لرويترز، السبت، إنه من المتوقع أن يستأنف رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي “الموساد”، دافيد برنياع، محادثات وقف إطلاق النار في غزة مع رئيس وزراء قطر ومسؤولين مصريين في الدوحة، الأحد.

وأضاف المصدر، أن المحادثات ستركز على الفجوات المتبقية بين إسرائيل وحماس في المفاوضات بما يشمل عدد الفلسطينيين الذين قد يتم الإفراج عنهم مقابل إطلاق سراح بقية الرهائن الإسرائيليين إلى جانب المساعدات الإنسانية لغزة.

نقطة خلاف جوهرية
وعرضت حماس على الوسطاء والولايات المتحدة اقتراحا لوقف إطلاق النار في غزة يشمل إطلاق سراح الرهائن الإسرائيليين مقابل الإفراج عن سجناء فلسطينيين، منهم مئة محكوم عليهم بالسجن مدى الحياة، وفقا لاقتراح اطلعت عليه رويترز.

وقال قيادي في حماس لفرانس برس، إن الحركة مستعدة للإفراج عن 42 رهينة إسرائيليين من النساء والأطفال وكبار السن والمرضى، على “أن تفرج إسرائيل عن 20 الى 30 أسيرا فلسطينيا مقابل كل محتجز إسرائيلي”. 

وتطالب الحركة بالإفراج عن 30 إلى 50 معتقلا فلسطينيا في مقابل الإفراج عن كل جندي محتجز لديها. وتحدثت عن استعدادها لأول مرة للإفراج عن مجندات. 

كذلك، تشمل المرحلة الأولى المقترحة “الانسحاب العسكري من كل المدن والمناطق المأهولة في قطاع غزة وعودة النازحين بلا قيود، وتدفق المساعدات بما لا يقل عن 500 شاحنة يوميا”.

ويرى مسؤولون إسرائيليون، وفقا لهآرتس، أن الخلافات حول عدد السجناء الفلسطينيين المدانين بارتكاب جرائم إرهابية خطيرة والذين سيتم إطلاق سراحهم في الصفقة “لا تشكل عائقا أمام التوصل إلى اتفاق”.

وصرّح مصدر إسرائيلي للصحيفة، أن القيادة السياسية تعتقد أنه إذا أظهرت حماس استعدادا للتسوية، فإن الصفقة “لن تفشل بسبب الخلافات حول من سيتم إطلاق سراحه من السجناء ومتى”.

في هذا الجانب، يقول شتيرن إن حماس، تركز في هذه المرحلة على نقطة إطلاق سراح السجناء الفلسطينيين بإسرائيل، وهذه الأخيرة “منفتحة على هذا الأمر”.

 إضافة إلى سعي حماس الجديد “تحديد مهلة زمنية لتوقف إطلاق النار من أجل الحصول على انتعاشة للظروف الاجتماعية والإنسانية الصعبة بالقطاع”، وفقا للمتحدث ذاته.

ويؤكد شتيرن، أن الأيام الأخيرة “شهدت إغراق غزة بالمساعدات”، مشيرا إلى أن هذا جاء “ضمن مساعي إسرائيلية لسحب هذا الموضوع من الطاولة، حيث أن وصول المساعدات يمكنّها من تخفيف الضغوط الدولية عليها ومواصلة معركتها”.

وتبقى “نقطة الخلاف الرئيسية” بين الطرفين الآن هي مطالبة حماس بالسماح للسكان النازحين من شمال غزة بالعودة إلى منازلهم، وفقا لهآرتس.

وتخشى إسرائيل، بحسب المصدر ذاته، أن يسمح ذلك لحماس بإعادة بسط سيطرتها على هذه المناطق، مما يحرم إسرائيل من “الإنجاز الكبير المتمثل في القضاء على قدرات المنظمة في شمال غزة”، وربما يجر القوات الإسرائيلية إلى جولة أخرى من القتال في المنطقة.

ولا يستبعد مسؤولون إسرائيليون إمكانية السماح للنساء والأطفال بالعودة إلى هذه المناطق أو إنشاء آلية لفحص الرجال الذين يسعون للعودة بعناية، وفقا للصحيفة.

وبشأن نقطة عودة النازحين إلى شمال القطاع، يقول شتيرن، إن إسرائيل قد تكون منفتحة على هذا الموضوع وفق شروط محددة، غير أنه يشير إلى أن “أهمية هذه الجزئية ضئيلة وغير استراتيجية بالنسبة لحماس” في المفاوضات.

ووسط طوفان التقارير حول اتفاق الهدنة المحتمل، تقول “هآرتس” إن حدثين في نهاية هذا الأسبوع، أظهرا استعداد الطرفين لمحاولة التوصل إلى اتفاق.

الأول كان قرار حماس بعدم “إشعال الأوضاع” في المسجد الأقصى، في أول جمعة من شهر رمضان، خلافا للتقييمات الأمنية الأولية في إسرائيل. 

والثاني، إعلان رئيس الوزراء الإسرائيلي، عن إرسال وفد إسرائيلي إلى قطر لمواصلة المفاوضات، حتى قبل العودة للتشاور مع حلفائه اليمينيين.

وأعرب دبلوماسي أجنبي مشارك في المحادثات غير المباشرة بين إسرائيل وحماس عن “تفاؤله بالمستجدات الجديدة، معتبرا أنه على الرغم من العقبات التي يضعها الجانبان، يمكن التوصل إلى اتفاق.

وأضاف أن “رد حماس واعتزام إسرائيل إرسال وفد إلى قطر هما أول خطوات إيجابية مهمة منذ فترة طويلة، لكن الفجوات بين مواقف الطرفين لا تزال كبيرة”.

 وربطت صحيفة “الغارديان” البريطانية، ما وصفته بـ”الموقف الجديد من حماس” والمتمثل في تأجيل مطلبها الرئيسي الذي رفعته على مدار الأسابيع الماضية، بـ “سلسلة الانتكاسات” التي تعرضت لها خلال الأيام الأخيرة.

وذكرت أن الحركة بـ”خيبة أمل” بسبب فشل دعواتها للقيام بموجة من الاحتجاجات خلال شهر رمضان، وغضبها من تعيين السلطة الفلسطينية لرئيس وزراء جديد دون التشاور معها، بالإضافة إلى معاناتها عسكريا بالقطاع، في ظل تقارير تحدثت عن احتمالية مقتل قائد عسكري رئيسي لها في غارة جوية إسرائيلية.

في هذا الجانب، يقول شتيرن، إن تقارير إعلامية إسرائيلية تحدثت عن أن الاقتراح الجديد يصدر لأول مرة عن “حماس غزة، وهذه المرة الأولى التي يأتي فيها مقترح حقيقي من حماس الداخل وليس من الذراع السياسي”.

ويضيف شتيرن، أن التنازل الأخير يأتي بعد أن “تيقنت قيادة حماس، أنها لن تستطيع أن تفرض شروطها على إسرائيل غير المستعدة من جهتها لدفع ثمن أو تنازلات كبيرة”.

وعلاوة على ما سبق، تضيف الغارديان، أن إعلان نتانياهو موافقته على خطط هجوم عسكري على رفح، فرض ضغطا آخر على الحركة، حيث تعد المدينة الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة، آخر معقل رئيسي لحركة حماس، وأيضا موطنا لأكثر من مليون شخص، معظمهم من النازحين من أماكن أخرى في القطاع. 

وأدت هذه التطورات، وفقا للصحيفة، إلى “إضعاف موقف حماس التفاوضي”، ونقلت عن مصادر قريبة من الحركة، أن قادتها يدركون الآن أنهم بحاجة إلى إظهار “انتصار كبير” للفلسطينيين لتجنب رد فعل شعبي، بعد الدمار الهائل والخسائر في الأرواح خلال خمسة أشهر من الحرب.

وقال مصدر للصحيفة البريطانية: “إنهم يعرفون الآن أنهم بحاجة إلى إثبات أنهم يقفون حقا إلى جانب الشعب”.

في هذا السياق، يقول العكة، إن الهاجس الإنساني يبقى “ضاغطا حقيقيا على حركة حماس”، غير أنه يشير في المقابل، إلى أن المتغير الرئيسي وراء الاقتراح الأخير لحماس، يتمثل في الموقف الأميركي الجديد الذي بات يتبنى عمليا وقف إطلاق النار (مؤقتا) لإطلاق جهود إعادة إعمار القطاع وفتح المسارات الدبلوماسية لإيجاد حل للقضية الفلسطينية.

ويشير المحلل الفلسطيني، إلى أن “جزءا كبيرا من المطالب الأساسية لحماس ترتبط بالمطالب والرؤية الأميركية لحل الصراع، بالتالي قد تقول حماس لماذا تتعب نفسها بالدفاع عنها، في وقت تحتاج فيه في ظل الحرب إلى عملية التبادل للإفراج عن مجموعة من الأسرى والقيادات، وأيضا إلى تخفيف الكارثة الإنسانية عبر ضمان انسياب المساعدات، وانسحاب الجيش من مناطق مكتظة كجزء من ترتيبات المعركة”.

ويشير العكة أنه على الجانب الآخر، تبقى المخاوف من اتساع الحرب بالإضافة إلى الانتقادات ثم التلويح الأميركي بالذهاب إلى مجلس الأمن لاستصدار قرار وقف إطلاق النار، كلها “عوامل ضغط على إسرائيل”، فيما يبقى الأساسي اليوم التوصل لهدنة مؤقتة من أجل فتح الباب للمسارات السياسية التي ستؤدي في النهاية إلى إيقاف هذه الحرب”.