لا ضيم في القوا أن الحوثيين تمكنوا من إشعال الوضع في البحر الأحمر بعد دخول مسيراتهم إلى العمق الإسرائيلي، حيث أعلنت جماعة الحوثي في 21 تموز أنها نفذت عملية عسكرية “نوعية” في منطقة حيوية في أم الرشراش (إيلات)، وتوعدت إسرائيل بـ”رد عظيم”، مؤكدة في الوقت نفسه أنها أصابت سفينة أميركية في البحر الأحمر. ويعد دخول قوى عصية على الاحتواء مثل جماعة أنصار الله بقوة إلى أرض المعركة، وعلى موقع يمثل أحد أشد خطوط المواصلات البحرية العالمية حساسية، وهو البحر الأحمر وتخومه في القرن الأفريقي، عاملاً مهما يدفع إلى التساؤل عما يمتلكونه من قدرات عسكرية واستراتيجية، وهل حقا يمكنهم دخول معركة كبيرة؟ وكيف وصلت صواريخهم ومسيراتهم إلى إسرائيل؟
منظومة صاروخية
أول هذه الصواريخ، التي يُعتقد أنها شاركت في الضربات المتتالية على دولة الاحتلال، هي صواريخ “طوفان” الباليستية متوسطة المدى التي يتراوح مداها بين 1350-1950 كيلومتر. يُعتقد أن لديها مرحلة أولى تعمل بالوقود السائل، ومرحلة ثانية تعمل بالوقود الصلب، مما يسمح لها بمدى كبير، طول الصاروخ نحو 16 مترا، وعرضه نحو متر ونصف.
تعمل الصواريخ الباليستية وفق مبدأ بسيط وهو إطلاقها في مسار قوسي، يخرج خارج الغلاف الجوي ثم يعود مجددا إلى الأرض لضرب الهدف، في مسار محدد مسبقا، وما إن يصل حتى يطلق الصاروخ حمولته.
يمكن إطلاق هذا النوع من الصواريخ من منصات متنوعة مثل منصة أرضية أو غواصة أو صومعة.
وشهد شهر آذار 2017 الاستخدام العملي لصاروخ “قاهر-2″، الذي تمتع وقتها بمدى وقدرات حمولة أكبر من النسخة الأولى، حيث عُدِّلت صواريخ سوفيتية كانت موجودة في ترسانة الجيش اليمني سابقا لتحتوي على رأس حربي يبلغ وزنه 350 كغم بدلا من الرأس الحربي الأصلي البالغ وزنه 195 كغم، أثار هذا التطوير جدلا بين الباحثين حول طبيعة هذا التحويل.
أما صواريخ “بركان 1” فأُعلِن عنها في 2016، ومن المرجح أنه نسخة معدلة من صاروخ “شهاب-1” الإيراني بمدى يصل إلى 800 كيلومتر، تلاه “بركان 2 إتش” الذي كُشف عنه في 2017، وهو صاروخ باليستي قصير المدى مشتق من صاروخ “قيام” الإيراني يبلغ مداه ألف كيلومتر، وفي سبتمبر/أيلول 2023 عُرِضَ مشتق آخر من صاروخ “قيام” الإيراني يبلغ مداه أيضا ألف كيلومتر، الذي أُطلق عليه اسم “عقيل”.
ومنذ 2019، أعلن الحوثيون عن امتلاكهم صواريخ “بركان 3″، وكان الصاروخ الأطول مدى في ترسانة الحوثيين (قبل ظهور “طوفان”) متخطيا حاجز 1200 كيلومتر، ويُعتقد أنه استُخدم لأول مرة في 1 أغسطس/آب 2019.
مسيرات الحوثيين
ترسانة الحوثيين من المسيرات الجديدة أثارت الانتباه مؤخرا، حينما أعلنت الجماعة في صباح الجمعة 19 تموز، أنها استهدفت تل أبيب بطائرة مسيرة قادرة على التخفي عن الرادار، وأسفر الهجوم عن تفجير أحد المباني وقتل شخص واحد مع وقوع عدد من الإصابات.
وفي هذا السياق، تتنوع المسيرات الحوثية من حيث المهام والاستخدام، فمن مسيرات الرصد والاستطلاع إلى أسراب القتال وصولا إلى المسيرات الانتحارية، مثل طائرات “صماد” بأنواعها. وهذه الأخيرة ترقت في التطور التقني من “صماد-1” إلى “صماد-2” إلى “صماد-3” إلى “صماد-4″، وكلها أجيال من المسيرات منوعة القدرات والمهام.
وأعلن الحوثيون عن “صماد-3” المزودة بمهام هجومية بعيدة المدى مع قدرات مراقبة متقدمة، مع قدرة طيران امتدت لمدى يصل إلى 1500 كيلومتر، ومجهزة بكاميرات بصرية وكاميرات تعمل بالأشعة تحت الحمراء للعمليات النهارية والليلية مع تكنولوجيا متقدمة لنقل البيانات، كل ذلك دون تحميل إضافي في الوزن الذي لا يتعدى 50-70 كغم شاملا الحمولة.
وأخيرا أُعلن في عام 2021 عن “صماد-4″، التي تؤدي مهام مزدوجة بين الاستطلاع والعمليات الهجومية، ومن المحتمل أنها تمتلك ميزة التخفي مع مدى يصل إلى 2000 كيلومتر.
أعلن الحوثيون كذلك عن “وعيد” التي يبلغ مداها 2500 كيلومتر. بشكل خاص، تشبه “وعيد” المسيرة الإيرانية “شاهد 136″، وصُمِّمت لمهاجمة أهداف أرضية من مسافة بعيدة.
تتميز المسيرة “وعيد” بطول يبلغ نحو ثلاثة أمتار ونصف، وعرض يصل إلى نحو مترين ونصف، وهي مزودة بجناح على شكل مثلث قصير، مندمج في جسم الطائرة المركزي، وتحتوي المسيرة في مقدمتها على رأس حربي يُقدَّر وزنه بـ30-50 كغم، بينما يقع المحرك في الجزء الخلفي من جسم المسيرة ويُدار بمروحة دافعة ذات شفرتين.
أما الدور الرئيس لهذه المسيرة فيتعلق بمهاجمة الأهداف الأرضية الثابتة، التي تكون إحداثياتها معروفة، وهي غير فعالة ضد الأهداف المتحركة.
موارد الحوثيين
خلال ضربات جماعة أنصار الله السابقة، وثَّقت مؤسسة “أبحاث تسليح الصراعات” عددا من المسيرات التي أُسقطت أثناء تلك العمليات، وتوصل التقرير الخاص بالمؤسسة إلى أن مسيرة “قاصف-1” التي استُخدمت في مجموعة من تلك المهام تشبه مسيرات أبابيل الإيرانية، ولكنها تبدو أصغر.
لكن التقرير رغم ذلك رجح أن المسيرة لم تُصنع في إيران، بل جمعت محليا، حيث بُني الإطار الخارجي للمسيرة بشكل أوّلي، أضف إلى ذلك أن أجزاء جسم المسيرة حملت أرقاما مكتوبة بخط اليد، مما يشير إلى أنها من إنتاج ورش محلية، بحسب التقرير.
وقد ربط هذا التحقيق بين قدرة الحوثيين على تجميع المسيرات، ورصيدهم التقني في صناعة العبوات الناسفة.
وبدراسة عدد من المسيرات من طراز “صماد”، توصلت المؤسسة إلى استنتاج مفاده أن طرق صناعة المكونات والأجزاء الموجودة في المسيرات التابعة للحوثيين مماثلة في كثير من الحالات لتلك المستخدمة في تصنيع العبوات الناسفة، التي يمتلكون فيها رصيدا كبيرا، إضافة إلى أن بعض مكوناتها تتشابه مع أجزاء تقنية تعرف بها المسيرات الإيرانية. ما يعني أنه حتى رغم اعتماد الحوثيين على تكنولوجيا إيرانية، فإنهم يمتلكون بالفعل خبرة على التصنيع المحلي بدأ العمل عليها ربما من 2015.
وعلى الجانب الآخر، أثبت فريق من الخبراء التابعين للأمم المتحدة أن أحد نماذج صاروخ “بركان” قد جُمِع على الأرجح في اليمن، وأن صاروخ كروز “قدس-1” لا يعتمد على أي تصميم موجود، بل على تصميم صاروخ كروز كلاسيكي عام، وربما هُرِّب من الخارج ثم عبر الهندسة العكسية صُنِّعَ في اليمن، ويبدو من دراسة الصواريخ والمسيرات الإيرانية أن نسبة التصنيع المحلي في الأخيرة تبدو أكبر بفارق واضح.
هناك إذن ثلاثة طرق تمكَّن خلالها الحوثيون من تطوير إمكاناتهم في سلاحي المسيرات والصواريخ بسرعة، أولها هو نقل التكنولوجيا والخبرة اللازمة لتطوير المسيرات، ثم التدريب اللازم للتصنيع والتشغيل، لكن هذا وحده ليس كافيا، بل هناك التصنيع المحلي وهو الطريق الثاني، حيث أنشأ الحوثيون قدرات تصنيع محلية لتجميع المكونات المستوردة وتصنيع أجزاء معينة من المسيرات.
صواريخ الحوثيين
شمل عرض الحوثيين أيضا نسخا جديدة من الصواريخ الموجَّهة ضد السفن مثل “تنكيل”، إلى جانب أنواع أخرى مثل “حاطم” و”فالق” و”صياد”، وهي صواريخ مجنحة مجهزة بباحث راداري أو حراري، بمدى مجمل من 200-400 كيلومتر، وجميعها يشبه صواريخ إيرانية لها المواصفات نفسها، كذلك فإن العرض شمل صواريخ كروز للهجوم الأرضي من طراز “قدس 4” التي يمكنها الاشتباك مع الأهداف البرية والبحرية، وتُعد جزءا من عائلة صواريخ كروز التي طورتها إيران بمدى يبلغ 800 كيلومتر.
قدرات الدفاع الجوي
ولا تقف قدرات الحوثيين عند هذا الحد، بل تطورت إلى ما هو أبعد من ذلك، فخلال وقت سابق من شهر تشرين الثاني 2023، أعلن الحوثيون عن تمكنهم من إسقاط مسيرة أميركية من طراز “إم كيو 9” في المياه الإقليمية لليمن. وقال المتحدث العسكري باسم الحوثيين في بيان رسمي: “تمكنت دفاعاتنا الجوية من إسقاط طائرة أميركية أثناء قيامها بأعمال عدائية ورصد وتجسس في أجواء المياه الإقليمية اليمنية، وضمن الدعم العسكري الأميركي للكيان الإسرائيلي”.
ولكن تلك الترسانة واجهت عدة مشكلات كبيرة، الأولى كانت أن الكثير من قطعها تالفة أو على الأقل بحاجة إلى الإصلاح، والثانية كانت أنها عموما قديمة وبالتبعية ذات دقة ضعيفة في تحييد التهديدات الجوية.
إلى جانب ذلك، أعلن الحوثيون قبل عدة سنوات عن تطويرهم لـ”برق”، وهو صاروخ دفاع متقدم يأتي في نسختين هما “برق-1” و”برق-2″، ويشبه نظام صواريخ أرض-جو “صياد” الإيراني، الذي يُعَدُّ في حد ذاته تطويرا لنظام “إس-75” السوفيتي سالف الذكر، ولكنه أفضل في نطاقات عدة هي الدقة والمدى وقوة التدمير .
منظومة رادار متطورة
إلى جانب ذلك، يُعتقد أن الحوثيين باتوا حاليا يمتلكون “جهاز استقبال الرادار الافتراضي”، الذي يتمكن من استقبال إشارات “إيه دي إس-بي” والأخير هو نظام مراقبة يُستخدم في التحكم في الحركة الجوية للطائرات وفك تشفيرها.
هذا النظام يسمح للطائرات ببث موقعها وسرعتها وارتفاعها وغيرها من المعلومات إلى مراقبي الحركة الجوية والطائرات الأخرى المحيطة في سياق القوة التي تقوم بالعملية الهجومية أو الاستخباراتية. يمكن لجهاز استقبال الرادار الافتراضي استخدام هوائي وجهاز استقبال راديو لالتقاط هذه الإشارات وإرسالها إلى جهاز حاسوب لمعالجة الإشارات وعرضها على الشاشة.
يعمل جهاز استقبال الرادار الافتراضي سلبيا، بمعنى أنه يتمكن من جمع المعلومات حول الطائرات وأنشطتها دون إصدار إشارات أو المشاركة في اتصال مباشر مع الطائرة، على عكس أنظمة الرادار النشطة التي ترسل الإشارات وتنتظر الانعكاسات، تعتمد الأنظمة السلبية على استقبال وتفسير الإشارات التي تصدرها الطائرات بشكل طبيعي أو عن غير قصد.
يعطي ذلك عملية الدفاع الجوي قدرا من التخفي، ويُمكِّن الحوثيين من رصد أهداف تقع في نطاق دائرة قُطرها 500 كيلومتر. (الجزيرة)