بينما كانت بكين تقمع احتجاجات تيانانمن عام 1989، بدأ تيم والز، رحلته للصين مدرسا للتاريخ الأميركي. وبعد عقود، أصبح المرشح لمنصب نائب الرئيس في انتخابات 2024، بقرار من كمالا هاريس التي التقت في 2022 بالزعيم الصيني شي جين بينغ، لتؤكد له أهمية الحوار في إدارة المنافسة بين البلدين.
فكيف ينظر المرشحان الديمقراطيان لعلاقة واشنطن مع بكين؟
في بانكوك عام 2022، حضرت هاريس، نائبة الرئيس الأميركي، قمة التعاون الاقتصادي لآسيا والمحيط الهادئ (APEC)، هناك كان لقاؤها الأول، وجها لوجه، مع الزعيم الصيني، شي جين بينغ. وتضمن اللقاء محادثة قصيرة، أكدت فيها على أهمية الحفاظ على “خطوط الاتصال المفتوحة لإدارة المنافسة بين بلداننا بشكل مسؤول”.
قبل ذلك اللقاء، وفي عام 2021، زارت هاريس سنغافورة وفيتنام، وألقت خطابا قالت فيه: “نعلم أن بكين تواصل الإكراه والترهيب، والمطالبة بالأغلبية العظمى من بحر الصين الجنوبي”.
في تلك الزيارة، نقلت هاريس رسالة البيت الأبيض بشأن التحديات التي تفرضها الصين، وتحدثت في عدة مناسبات عن الحد من النفوذ الصيني.
الآن، تخوض هاريس سباقا محموما للفوز برئاسة أميركا ضد منافسها الجمهوري، دونالد ترامب، الذي يحمل مواقف متشددة تجاه الخطر الصيني، خاصة في ملف التجارة.
هاريس صاحبة الخلفية القانونية بوصفها مدعيةً عامة سابقة في كاليفورنيا، والتي انتقلت إلى ميدان السياسة من بوابة الكونغرس، وصولا إلى منصب نائبة الرئيس، الذي صاحبت فيه الرئيس الديمقراطي، جو بايدن، المخضرم في السياسية الدولية، باتت تعرف كيف يمكن لواشنطن التعامل مع تعقيدات التنافس الصيني.
وعلى مدى سنوات خدمتها نائبة للرئيس الأميركي، زارت هاريس أكثر من 19 دولة، والتقت بأكثر من 150 زعيما أجنبيا، وفقا لموقع البيت الأبيض، وهو ما مكنها من تكوين فهم تفصيلي لتعقيدات المشهد الدولي، وتحديد أدوار اللاعبين الأساسيين، الصين وروسيا.
وفي حديث سابق عن العلاقات بين الولايات المتحدة والصين وسياسة المحيطين الهندي والهادئ، قالت هاريس في حلقة من برنامج “Face the Nation” على شبكة سي بي أس، العام الماضي: “في سياستنا، لا يتعلق الأمر بالانفصال، بل يتعلق بتقليل المخاطر. ويتعلق بالفهم أيضا”.
وقالت هاريس: “لا يتعلق الأمر بالانسحاب، بل بضمان حماية المصالح الأميركية، وإننا رواد في ما يتعلق بقواعد الطريق، بدلا من اتباع قواعد الآخرين”.
هذه التصريحات تشير إلى قناعة هاريس بأن أفضل استراتيجية لدرء خطر الصين، هو الانخراط أكثر مع بكين على كافة الصعد، وتحديد خارطة الطريق لكلا الطرفين، مؤكدة أنها تعارض انسحاب وانكفاء أميركا.
والز.. جدلية العلاقة مع الصين
في عام 1989، وبينما كانت قوات الأمن الصينية تنفذ قمعا داميا ضد المتظاهرين المؤيدين للديمقراطية في ميدان تيانانمن، كان تيم والز، الذي اختارته كمالا هاريس ليكون مرشحا لمنصب نائب الرئيس الأميركي، في طريقه إلى الصين لتدريس اللغة الإنكليزية وتاريخ أميركا.
في ذلك الوقت، رأى والز في هذا الوضع فرصة لتعزيز الدبلوماسية على مستوى الشعب، معتبرا أن وجوده في مدرسة صينية خلال هذه الفترة الحرجة يمكن أن يسهم في تحسين العلاقات بين البلدين.
بعد أن قضى عاما في تدريس التاريخ والثقافة الأميركية في مدينة فوشان بمقاطعة قوانغدونغ الصينية، عاد والز إلى الولايات المتحدة ليبدأ مسيرة سياسية تمتد لعقود، حيث زار الصين حوالي 30 مرة.
ولكن هذا الارتباط العميق بالصين جعله عرضة لانتقادات من الجمهوريين، الذين اعتبروه متساهلا تجاه الحكومة الشيوعية هناك. وذلك رغم انتقاداته الحادة للحكومة الصينية، وخاصة في ما يتعلق بسجلها في حقوق الإنسان.
وصل الأمر إلى حد مطالبة السناتور الجمهوري، توم كوتون، لوالز بتوضيح علاقته “غير التقليدية” مع الصين.
حينها رد والز على هذه الانتقادات بتأكيده على ضرورة محاسبة الصين على انتهاكات حقوق الإنسان، مشيرا إلى أن الأمل في أن يؤدي النمو الاقتصادي في الصين إلى تحسينات في الحريات المدنية لم يتحقق.
على مر السنوات، استمر والز في انتقاداته العلنية للحكومة الصينية، ودعم احتجاجات هونغ كونغ المؤيدة للديمقراطية، وكان الداعم الوحيد في الكونغرس لمشروع قانون حقوق الإنسان والديمقراطية في هونغ كونغ، الذي أُقر في عام 2019.
وأعرب والز عن قلقه من تزايد التعديات الصينية في بحر الصين الجنوبي، مؤكدا على ضرورة التزام الصين بالقواعد الدولية لتحقيق تعاون مثمر مع الولايات المتحدة.
وبينما أكد والز في تصريحات سابقة أن العلاقة مع الصين لا يجب أن تكون عدائية بالضرورة، إلا أنه شدد على أهمية ربط النمو الاقتصادي بتقدم حقوق الإنسان، داعيا إلى ضرورة عدم فصل هذه المسائل في السياسة الأميركية تجاه الصين.
بحر الصين الجنوبي.. الملف الشائك
في اجتماع في سبتمبر 2022 مع الرئيس الكوري الجنوبي، يون سوك يول، أكدت هاريس أن الولايات المتحدة ستواصل دعم تايوان ومعارضة أي إجراءات أحادية الجانب تسعى من خلالها الصين إلى تغيير الوضع الراهن.
وأكدت هاريس في مناسبات عدة أن الجهود المبذولة للحفاظ على السلام والاستقرار عبر مضيق تايوان هي عنصر أساسي لمنطقة المحيطين الهندي والهادئ الحرة والمفتوحة.
خلال زيارة إلى اليابان في نفس الشهر، قالت على متن المدمرة يو أس أس هوارد في قاعدة يوكوسوكا البحرية، “لقد شهدنا سلوكا مزعجا في بحر الصين الشرقي وفي بحر الصين الجنوبي، ومؤخرا، استفزازات عبر مضيق تايوان”.
ويعد بحر الصين الجنوبي واحدا من أكثر البحار إنتاجية في العالم من حيث الثروة السمكية، كما أنه يشمل ممرات شحن تنقل نحو ثلث التجارة البحرية العالمية.
وتشير الدراسات إلى أن البحر قد يحتوي على احتياطيات ضخمة من النفط والغاز الطبيعي.
وعلى الرغم من هذه الأهمية الاستراتيجية، لم تبرز هذه المنطقة كقضية دولية حتى أواخر القرن التاسع عشر. ولكن في منتصف القرن العشرين، أعلنت بكين سيطرتها على معظم بحر الصين الجنوبي عبر حدود واسعة على شكل حرف “U”، وهي مزاعم لا يدعمها القانون الدولي.
وفي عام 2016، قضت محكمة دولية بأن مزاعم الصين في بحر الصين الجنوبي لا أساس لها قانونيا، وأن شعاب “سيكوند توماس” تقع ضمن المنطقة الاقتصادية الخالصة للفلبين، والتي تمتد لمسافة 200 ميل بحري.
ومع ذلك، لم تعترف بكين بالحكم، واستمرت في تحدي النظام الأمني الذي تقوده الولايات المتحدة في المحيط الهادئ عبر نشر سفنها وممارسة الضغط على الدول المجاورة.
وخلال زيارة سابقة لليابان، علقت هاريس على استفزازات الصين في بحر الصين الجنوبي بالقول: “إن الصين تقوض عناصر أساسية للنظام الدولي القائم على القواعد. ولقد تحدت الصين حرية البحار. لقد استعرضت قوتها العسكرية والاقتصادية لإكراه وترهيب جيرانها”.
ويبدو من تصريحات هاريس أنها مقتنعة بأن الصين تهدد مصالح الولايات المتحدة ومصالح الدول المحيطة بهذه المنطقة الساخنة، وتعتبر أن واشنطن ملزمة بتعزيز قوة الردع هناك.
وتزعم بكين أن معظم بحر الصين الجنوبي ملك لها، مما يضعها في صراع مع بروناي وإندونيسيا وماليزيا والفلبين وتايوان وفيتنام.
واستخدمت السفن الصينية في عدة مناسبات هذا العام مدافع المياه ومنعت سفن منافسيها في الأراضي المتنازع عليها من الحركة والعبور.
وفي العام الماضي، قال هاريس في برنامج “Face the Nation” إن “ما يحدث من أفعال غير مبررة ضد المصالح الفلبينية في بحر الصين الجنوبي له أهمية كبيرة، وقد أوضحنا أننا نقف إلى جانب الفلبين.”
حقوق الإنسان
خلال فترة عملها عضوة في مجلس الشيوخ الأميركي عن ولاية كاليفورنيا، دفعت هاريس بنشاط من أجل التشريع لدعم حقوق الإنسان في هونغ كونغ.
وفي عام 2019، شاركت هاريس في رعاية قانون حقوق الإنسان والديمقراطية في هونغ كونغ الذي قدمه السناتور الجمهوري، ماركو روبيو، والذي يهدف إلى تعزيز حقوق الإنسان في هونغ كونغ، ومعاقبة المسؤولين المتورطين في “تقويض الحريات الأساسية والاستقلال في هونغ كونغ”.
ووقع الرئيس الأميركي السابق، دونالد ترامب المشروع لاحقا ليصبح قانونا نافذا.
وشاركت هاريس في رعاية وتسهيل إقرار قانون سياسة حقوق الإنسان للأويغور عام 2019، والذي أصبح قانونا في عام 2020.
ويخول القانون الولايات المتحدة فرض عقوبات على “الأفراد والكيانات الأجنبية المسؤولة عن انتهاكات حقوق الإنسان في شينغيانغ”، المقاطعة الواقعة في أقصى غرب الصين والتي تعد موطنا للأويغور، وهم أقلية مسلمة في الغالب.
لكن الصين تنفي وجود أي انتهاكات لحقوق الإنسان في شينغيانغ، لكنها لا تسمح لأي جهات دولية أو محايدة من فحص ما يجري في هذا الإقليم.
التجارة
هاريس وبايدن انتقدا بشدة العقوبات الواسعة النطاق على السلع الصينية التي فرضها ترامب خلال فترة ولايته.
ووصفت هاريس سياسة ترامب في هذا الشأن بأنها ضريبة على الأميركيين العاديين لأنها ترفع تكلفة السلع.
ومع ذلك، تركت إدارة بايدن الرسوم الجمركية التي فرضت في عهد ترامب كما هي إلى حد كبير منذ توليها إدارة البلاد قبل ما يقرب من أربع سنوات.
وخلال ثلاث سنوات ونصف السنة من عملها كنائبة للرئيس، لم تركز هاريس على قضايا التجارة مع الصين.
ومع ذلك، يمكن استخلاص بعض مواقفها تجاه هذه المسألة من خلال الأصوات التي أدلت بها كعضوة في مجلس الشيوخ وتعليقاتها العامة السابقة، وفق تقرير لـ “فويس أوف أميركا”.