بعد سنوات الغربة.. ما مصير اللاجئين السوريين؟

9 ديسمبر 2024
بعد سنوات الغربة.. ما مصير اللاجئين السوريين؟


حتى الأمس، كانت رشا، اللاجئة السورية في برلين، قد استسلمت لفكرة أنها قد لا ترى منزل عائلتها في دمشق مرة أخرى. لكنها، كغيرها من ملايين السوريين الذين هجروا بلادهم بسبب الصراع، فوجئت بالأخبار المتسارعة عن سقوط نظام بشار الأسد، ما أطلق موجة من المشاعر المتضاربة بين الفرح، والأمل، والخوف من المجهول.

رشا تتحدث بصوت منخفض من داخل عربة قطار في برلين، محاولةً كتم انفعالاتها. مشاعرها تجاه الأحداث الأخيرة ممزوجة بين الحماس والرغبة في العودة، والحذر من تداعيات مجهولة قد تتكشف في الأيام المقبلة. تخشى أعمال انتقامية أو طائفية بسبب انتمائها لأقلية دينية، لكنها تُبدي تفاؤلًا حذرًا بأن هذه المخاوف قد لا تتحقق.

رغم التقدم السريع الذي أحرزته المعارضة وسيطرتها على دمشق، تشير رشا إلى أن العودة ليست قرارًا سهلاً. تقول إن إنجازات اللاجئين في الخارج، من تعليم واستقرار وحصول محتمل على جنسية جديدة، تُعقّد خيار العودة. بالنسبة لها، الحرية المكتسبة في ألمانيا لا تعني التخلي عن جذورها، لكنها تطالب بضمانات لاستعادة حياتها دون فقدان مكتسبات اللجوء.

وعن منزل عائلتها، الذي قد يكون شاهدًا على لحظات من طفولتها، تعبّر عن مخاوفها من تعرضه للنهب أو المصادرة. تقول: “كل ما أريده هو أن أرى بلادي، لكن بعين الحذر. لا أريد أن أخسر ما بنيته هنا ولا أن أندم على قرار متسرع”.

بالنسبة لرشا وآلاف اللاجئين الآخرين، الأيام القادمة قد تحمل المزيد من الوضوح، لكنها تحمل أيضًا اختبارات صعبة بين الحنين للعودة وواقع معقد لا يمكن تجاهله.

تقول: “باختصار أشعر بفرح لسقوط النظام، ولكنني أخشى اندلاع اقتتال جديد أو تصاعد التشدّد والأصولية. نحاول الآن دراسة خياراتنا من دون تهوّر.”

رشا واحدة من 14 مليون سوري نزحوا من منازلهم بدءاً من 2011، مع تصاعد حدّة الاقتتال الداخلي بين النظام ومعارضيه، بحسب مفوضية اللاجئين لدى الأمم المتحدة، التي تصف أزمة اللاجئين في سوريا بأنها أكبر أزمة لجوء في زماننا.

أكثر من 5.5 مليون لاجئ سوري يعيشون في البلدان المجاورة، بما فيها تركيا ولبنان والأردن والعراق ومصر، في حين باتت ألمانيا، التي تحتضن أكثر من 850 ألف سوري، أكبر دولة مضيفة خارج هذا النطاق الإقليمي.

بالنسبة لكثير من اللاجئين، كانت الحياة في بلدان اللجوء صعبة، إذ قضوا سنوات في مواجهة عراقيل قانونية، وتحمل أعباء اقتصادية، والتعرض لموجات من كراهية الأجانب والعنصريّة.

تؤكد آية مجذوب، نائبة مديرة المكتب الإقليمي للشرق الأوسط وشمال أفريقيا في منظمة العفو الدولية، أنّ طريق العودة لن يكون سهلاً. وتوضح: “سوريون كثر قد يفكرون بالعودة فقدوا منازلهم ووظائفهم وأحباءهم. لقد دمّرت سنوات النزاع والعقوبات الاقتصاد السوري. على الوكالات الإنسانية التحرك بصورة عاجلة لضمان أن تكون العودة طوعية وآمنة وكريمة. فاللاجئون العائدون بحاجة إلى مأوى وغذاء ومياه ومرافق صحية ورعاية طبية.”

كما تشدد مجذوب على ضرورة تجنب أي عمليات إعادة قسرية. وتقول: “ينبغي أن تكون جميع حالات العودة طوعية تماماً، وسنواصل متابعة المخاطر التي قد يواجهها العائدون، بغضّ النظر عن دينهم أو عرقهم أو مواقفهم السياسية.”

تحدثت بي بي سي عربي أيضاً إلى محود بويضاني، وهو لاجئ في تركيا منذ عام 2018. يخبرنا أنه عند سماع الأخبار عن سقوط النظام، “استعدت شريط الأحداث خلال السنوات العشر الأخيرة، ومرّت الصور كلها في ذاكرتي، تذكرت كل قذيفة هاون، كل هجوم كيماوي، كل غارة، تذكرت كل موقف عنصري واجهته هنا في تركيا”.

محمود من دوما في الغوطة الشرقيّة، وقد رحّل قسرياً إلى الشمال السوري، ومنه لجأ إلى تركيا، حيث يدرس الآن هندسة الكمبيوتر في جامعة كوجالي قرب إسطنبول. ورغم تفاؤله الحذر، يدرك مدى التحديات التي قد يواجهها عند العودة. يقول: “أول ما يخطر ببالي هو أملاك عائلتنا. لا نعرف ما حدث لها. ربما بيعت من دون علمنا.”

يقول محمود إن الأولوية بالنسبة له لإكمال دراسته: “أريد زيارة سوريا أولاً، لكنني بحاجة إلى وضوح بشأن الأمن والحكم وسيادة القانون. لا يمكنني التخلي عن وضعي تحت الحماية المؤقتة هنا، فذلك قد يعرّض تعليمي واستقراري للخطر.”

تصف لحظات الفرح التي يمتزج فيها الحزن، خاصةً في الأفراح والأحزان، إذ يصبح غياب الأقارب أشد وطأة.

ورغم أنها تحلم بالعودة إلى سوريا آمنة، فإنها قلقة بشأن الوضع الاقتصادي المتردي هناك: “عائلتي لا تزال تعاني. لا كهرباء منتظمة، ولا مياه، والأسعار لا يمكن تحمّلها. كيف للناس أن يعيشوا؟” وتقرّ بأن مشاعرها مختلطة: “نحن سعداء بسقوط النظام، ولكن مغادرة الأردن بعد أن كوّنا عائلة ثانية هنا سيكون مؤلماً.”

تقول دلال حرب، المتحدثة باسم المفوضية في لبنان، إن الوكالة لاحظت بعض حالات العودة، بما في ذلك عبر معابر غير رسمية في مناطق مثل وادي خالد شمالي البلاد. وتؤكد: “تُذكّر المفوضية بأن لجميع اللاجئين الحقّ الأساسي بالعودة إلى وطنهم في الوقت الذي يختارونه، ويجب أن تكون كل عمليات العودة طوعية وكريمة وآمنة”.

وتشير حرب إلى أنّ المفوضية مستعدة لدعم العائدين عند تحسن الأوضاع، مع التأكيد على ضرورة منح السوريين المرونة الكافية لتقييم الظروف عند عودتهم، مثل القيام بزيارات استطلاعية.

وتضيف حرب: “لا تزال الأوضاع في الداخل السوري تتغير، ويحاول كثير من السوريين تقييم تأثير التطورات الأخيرة على الوضع هناك، ومدى الأمان المتوفر، وما إذا كان الوقت مناسباً للعودة أم لا.”

بالنسبة لكثير من السوريين، يثقل عدم اليقين بما قد يحمله المستقبل كاهلهم، فيما تستمر ذكريات الحرب والفقد والتشرد بمطاردتهم. وريثما يتضح مسار الأحداث في سوريا أكثر، يرى كثيرون أن الخيار الأفضل بالنسبة لهم، في الوقت الراهن، هو المراقبة والانتظار. (بي بي سي)