دعم باريس لم يعد مفتوحاً بلا أيّ حدود.. أي خطة فرنسية للبنان؟

25 يوليو 2020
دعم باريس لم يعد مفتوحاً بلا أيّ حدود.. أي خطة فرنسية للبنان؟

كتبت راكيل عتيق في “الجمهورية”: لم يَعد الدعم الفرنسي للبنان مفتوحاً بلا أيّ حدود أو شروط، ولا إمكانية بعد الآن لمساعدات مالية تجمعها فرنسا لصديقها التاريخي بلا أيّ رقابة أو إصلاحات مُنجزة. وعلى عكس غالبية المسؤولين اللبنانيين، تحدّث وزير خارجية فرنسا جان إيف لودريان مباشرة وبوضوح الى اللبنانيين، محدداً مكامن الخلل ومداخل الإنقاذ وخروج لبنان من أزمته، ومُسمّياً الأشياء بأسمائها وبالملفات والمسارات والآليات. لم يُجامل الوزير الفرنسي أيّاً من المسؤولين ولم يَعِد اللبنانيين بأحلام وردية، ففرنسا لن تكون ملكة أكثر من الملك. وعلى رغم التفسيرات والتحليلات المتعددة، حرص المسؤول الفرنسي على عدم “زَكزكة” المُعارضين في الداخل اللبناني لمشروع “الحياد”، الملف السياسي الإشكالي المطروح أخيراً، ولم يستخدم عبارة “الحياد” في أيّ من تصريحاته العلنية، على رغم الموقف الفرنسي التاريخي من ضرورة حياد لبنان.

 

في حين سبقت زيارة لودريان الرسمية لبيروت معلومات صحافية عن أنّ الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون سيعلن خطة شاملة لمساعدة لبنان، لم يُبلغ لودريان الى رئيس الجمهورية العماد ميشال عون أيّ مبادرة شاملة لماكرون في اتجاه لبنان، وإنّ الخطة المالية الوحيدة التي تحدث عنها المسؤول الفرنسي هي مساعدة المدارس الفرنسية والكاثوليكية في لبنان من خلال تخصيص 15 مليون يورو دعماً للقطاع التعليمي، ولم يطرح أيّ خطة مالية أخرى، بحسب مصادر مطلعة على اللقاء الذي جمع عون ولودريان.

 

وتماهى كلام لودريان العلني مع محادثاته مع المسؤولين اللبنانيين، إذ أكد خلال لقاءاته الرسمية ضرورة إنجاز الإصلاحات، فحان وقت أن “تمشي”، فضلاً عن أهمية نجاح التفاوض مع صندوق النقد الدولي، لكي تتحرّر الأموال المقررة في مؤتمر “سيدر” والـ11 مليار التي يعوّل لبنان عليها.

 

وكان لودريان قد قال بوضوح، خلال المؤتمر الصحافي المشترك الذي عقده أمس الأول مع نظيره اللبناني ناصيف حتي في وزارة الخارجية: «لا يتوهّمن أحد أنّ ثمة بدائل تسمح للبنان بالخروج من أزمته سوى التفاوض مع صندوق النقد الدولي»، في إشارة واضحة الى المخرج الوحيد من الأزمة والى فاتحة أيّ مساعدة أخرى للبنان.

 

 

وحدّد الوزير الفرنسي خريطة طريق الحلّ بمدخلين: تنفيذ الإصلاحات والتفاوض مع صندوق النقد. ولم يعتمد المواربة بل سمّى الإصلاحات المطلوبة وتناول ملف إصلاح الكهرباء، وقال في وضوح إنّ “ما تمّ القيام به حتى الآن في هذا الملف ليس مشجعاً”. كذلك أثار موضوع مكافحة الفساد الذي بحثه مع عون. ورأى أنّ “مكافحة الفساد والتهريب واستقلالية القضاء وتعزيز الشفافية هي أمور أساسية لمستقبل لبنان”.

 

وإذ كرّر جملته الشهيرة التي قالها أمام مجلس الشيوخ الفرنسي: “ساعدونا لنساعدكم”، أكد أنّ “فرنسا مستعدة لحشد قواها بكاملها الى جانب لبنان، ولأن تحشد دعم شركائها، لكن لتحقيق ذلك يجب اتخاذ الاجراءات لإنعاش البلد وبخطوات جدية وذات صدقية”.

 

 

واعتبر البعض أنّ كلام الوزير الفرنسي يأتي في إطار امتعاض المجتمع الدولي بكامله من تعامل لبنان مع ملف الكهرباء فضلاً عن التعيينات غير الشفافة والقرارات التي تحول دون استقلالية القضاء، مِثل رد عون التشكيلات القضائية وتقديمه مراجعة الى المجلس الدستوري طالباً إبطال قانون التعيينات الذي أقرّه مجلس النواب أخيراً، ما أدى الى إبطال المجلس الدستوري هذا القانون.

 

 مصادر مطّلعة على لقاء عون ولودريان أكدت أنّ الأخير لم يسأل عون عن هذين الأمرين. وكان عون قد عرض للوزير الفرنسي الخطوات التي تحققت في مجال مكافحة الفساد ومنها إقرار التدقيق الجنائي، إضافة الى التدقيق الحسابي الذي أظهَر وجود خلل في مالية الدولة، متحدثاً عن “صعوبات وعراقيل تواجه مكافحة الفساد، خصوصاً مع وجود متورطين كُثر فيه، يمارسون ضغوطاً عدّة لوقفها”.

 

 وتؤكد مصادر قريبة من عون أنّ “الأولوية الآن للوضع الإقتصادي المالي”، وهو “الشغل الشاغل” لدى الرئيس، وأنّه غير صحيح أنّ الإصلاحات لم تبدأ، سائلةً: أليس التحقيق الجنائي إصلاحاً؟ وماذا عن الـscanners على الحدود وضبط التهريب؟ وأليس تعيين مجلس إدارة لمؤسسة الكهرباء إصلاحاً، وقد يلحق هذه الخطوة بعد تعديل قانون الكهرباء في مجلس النواب تشكيل هيئة ناظمة للقطاع؟، معتبرةً أنّ “الإصلاحات تتطلب وقتاً إذ تواجهها صعوبات”. وتشير الى أنّ عون أطلع لودريان بوضوح على هذه الصعوبات وعلى من يُعرقل إنجاز الإصلاحات من دون أن يُسمّي هذه الأطراف، إذ إنّه لا يهدف الى أن يُشهّر بها بل الى أن يُعطي إشارات للوزير الفرنسي، و”إنّ اللبيب من الإشارة يفهم”.