الخلاف حول القضية الفلسطينية… يُسقط ورقة التوت عن لبنان!

15 مايو 2021
الخلاف حول القضية الفلسطينية… يُسقط ورقة التوت عن لبنان!

بشكلٍ فاقع، أضاء الخلاف الذي تجسّد في الأيام الماضية حول القضية الفلسطينية والمواجهات الدموية في قطاع غزّة وموقف بعض اللبنانيين منها، على النزاعات العميقة المهيمنة على المجتمع اللبناني، وأسقط ورقة التوت عن الانقسام الكبير الذي حوّل لبنان الى مجتمعات متناحرة على مجمل القضايا وغير متضامنة على الثوابت الوطنية التي من البديهي أن توحّد أي شعب في العالم رغم الاختلافات السياسية.
 
اعتاد اللبنانيون على فكرة المعارك السياسية والشعبية حول أي قضية سائدة، حتى بات التوافق أمراً غريباً يثير الشبهات، ففي الماضي اختلفوا على تأسيس دولة “لبنان الكبير” والوحدة مع سوريا او التبعية لفرنسا، واليوم يُعيد “اتفاق الطائف” تأجيج الانقسامات اللبنانية وتعزيزها، وكل ذلك حدث في السابق ولا يزال يحدث بين القوى السياسية عبر الجلسات البرلمانية والتصريحات الاعلامية وبين قواعدهم الجماهيرية التي باتت تستخدم مواقع التواصل الاجتماعي لشنّ الهجمات الحزبية، وما بين ضبط النفس وشدّ العصب، هرج ومرج يتطور في بعض الاحيان نحو معركة شوارع!
 
لم يستطع لبنان الرسمي في ظل تعاقب الحكومات عليه منذ المرحلة التي تلت الحرب الاهلية وحتى يومنا هذا التوصّل الى إعداد منهج موحّد لكتاب التاريخ الذي يدرّس في المدارس جيلا بعد جيل، إذ أن زعماء الطوائف، صُنّاع الحدث، لم يتمكّنوا من التوافق على رواية موحّدة، حيث أن كلاً منهم كان يرى الاحداث من منظاره، وما بين غالب ومغلوب، او لا غالب ولا مغلوب “ضاعت الطاسة” حتى أصبح اللبنانيون متيقّنين بأن تاريخهُم مزوّر الا ممّن “عاش وخبّر” ولربما كان المُخبّر مُنحازاً أيضاً!
 
يرى بعض المتابعين لتفلّت التاريخ اللبناني وشروده عن الحقائق أنّ المشكلة الأساسية تكمُن في جوهر المواطنة لدى اللبنانيين، حيث أنّ نفَس الوطنية وتيرته ضعيفة ومحكوم بالذهنية المذهبية المسيطرة على المواطنين بفعل التراكمات النفسية التي خلّفتها الحرب الاهلية، ما أدّى في طبيعة الحال الى اختلافهم حتى على الثوابت، إذ أن كل شريحة في المجتمع المقسمّ طائفياً تحمل مفاهيم مختلفة تُطلق لها العنان مع كل شعور بتهديد لوجودها، الأمر الذي لا تزال بعض الجهات السياسية تعزّزه “على أول مفرق” كلّما اشتعلت لعبة شدّ الحبال في حلبة المصالح!
 
كل ذلك، يحول دون الوصول الى حوار وطني جامع يدفع نحو حلول جذرية للأزمات المتراكمة، وما بين تراشق الاتهامات وتقاذف المسؤوليات، تظهر العصا الدولية بين حين وآخر لتجبر القوى السياسية على الجلوس الى طاولة واحدة وإلزامها باتفاقات وتسويات ظاهرها وطني وباطنها مصالح ومُكتسبات، من الطائف الى الدوحة والمبادرة الفرنسية والروسية وغيرها.
 
وفي حين أنّ لبنان اليوم بأمسّ الحاجة الى دعمٍ عربي ودولي لتخطّي الأزمات الراهنة، الا أن الخروج من المأزق الاقتصادي والمالي بطوق نجاة خارجي لا يعني أننا نجونا، حيث أن التجربة اللبنانية أثبتت واقعاً لا مفرّ منه والمتجسّد في فكرة الثوابت الوطنية التي إن لم يتفق عليها اللبنانيون، شعباً وقيادات، ستبقى الهوّة الاجتماعية متربّصة بأي إنقاذ وارد، وسيظّل الموروث الطائفي حجر عثرة في طريق الإصلاح من أجل إعادة بناء وطن جامع لكل أبنائه تحت بند المواطنة والانتماء.
 
إن لم نعُد جميعاً الى حضن الدولة بمفهومها السيادي، سنقع من جديد، ونقول “أغيثونا”!