لا يمر يوم الا ويسمع اللبنانيون عن جرائم مروعة تحصل في مختلف المناطق، وتشير التقارير ان معظمها، دافعه الحاجة المادية نتيجة الوضع الاقتصادي المتدهور والمرشح للتفاقم في حال استمرت الازمة السياسية عصية على الحل.المعدلات اكثر مما تسجله التقاريريعزو اللواء المتقاعد في قوى الامن الداخلي، والاستاذ في كلية العلوم الاجتماعية في الجامعة اللبنانية فضل ضاهر اسباب تزايد معدلات الجريمة في الفترة الاخيرة،إلى الوضع الاقتصادي السئ الذي وصل اليه لبنان، وكان من نتائجه تسجيل ارتفاع كبير في معدلات الجريمة.ضاهر قال في حديث لـ”لبنان 24″: “في العادة تشكل مثل هذه الاوضاع بيئة ملائمة لتزايد الدوافع السلوكية والانحرافية بشكل كبير جداً، والتي تزداد اضعافاً مضاعفة كلما تدهور الوضع والاقتصادي والاجتماعي اكثر”.
لمعرفة نسبة ارتفاع معدل الجرائم هناك مصادر متعددة يشرحها ضاهر بالقول: “هناك اولاً معدلات الاجرام الظاهر، والتي يمكن الاطلاع عليها من تقارير قوى الامن الداخلي والمراكز الامنية، والجيش اللبناني، كما ان هناك وسيلة اخرى تتمثل باللجوء الى اقلام المحاكم ، ولكن للأسف هذه الوسيلة غير متوفرة في لبنان نظراً لعدم وجود مراكز للبحوث الجنائية اسوة بمعظم دول العالم”.اسباب نفسية وانتقائيةلتفشي الفقر والبطالة تداعيات خطيرة لها تأثير على معدل ارتفاع الجرائم وحول هذه النقطة يوضح ضاهر قائلا:”أن احد اهم أسباب ارتفاع معدلات الجريمة في مثل هذه الظروف هي اضطراب الصحة النفسية، والتي تشكل دافعاً لعنف متطرف، سبب اخر يضيفه الى لائحة اسباب ارتفاع معدلات الجريمة في الاونة الاخيرة وهو الاستنسابية في تنفيذ القوانين كما هو حاصل اليوم في الخلاف بين المودعين واصحاب البنوك، الذين يمتنعون عن اعطاء المودع حقه في التصرف بوديعته وفق مايراه مناسباً، بحسب ما تنص عليه المادة 165 من قانون النقد والتسليف، وهذا ما دفع المودعين إلى التهديد باللجوء إلى القوة لتحصيل حقوقهم، الامر الذي قد ينتج عنه مظاهر عنفية تطال الممتلكات والاشخاص.
كورونا ايضاً
عنصر جديد فرض نفسه منذ حوالى السنتين على مؤشر ارتفاع نسبة الجرائم ليس في لبنان فقط بل في كل انحاء العالم، وهو ظهور وباء كورونا، والذي يقول عنه ضاهر:” كان احد نتائج تفشي جائحة كورونا ظهور عوارض “الوسواس القهري” عند جميع الناس تقريباً، والذي من عوارضه الشعور بالوحدة وعدم الثقة بالمستقبل، والتي قد تؤدي إلى سلوك العدواني، ولذلك نجد أن هناك ارتفاعاً في معدلات جرائم العنف الاسري اليوم.
الحاجة ام الاسباب
“اما اكثر الجرائم التي تشهد ارتفاعاً في معدلاتها اليوم فهي جرائم السرقة، وخاصة سرقة السيارات، والتي يترافق معها جرائم الاعتداء على الاشخاص والممتلكات.اما السبب الرئيسي لتزايد اعداد السرقات فهو العوز المادي، والذي بات مستشرياً على نطاق واسع بسبب الانهيار الاقتصادي والمعيشي الذي يشهده لبنان”، بحسب ما يشير اللواء ضاهر .
كل مواطن خفير
من جهته يرى القائد الاسبق للشرطة القضائية العميد المتقاعد انور يحيى في حديث لـ “لبنان 24″ ان المسؤولية لا تقع وحدها على القوى الامنية في عملية مكافحة الجريمة، وقال:” ان قوى الأمن الداخلي ليست وحدها المكلفة بالمحافظة على سلامة المواطن وممتلكاته، انما تعاونها مع بقية الأجهزة والقوى والمجتمع المدني كفيل بالتخفيف من معدلات الجرائم “.
أرقام مقلقة
تشير الاحصاءات بحسب الباحث في الشركة الدولية للمعلومات محمد شمس الدين، الى ارتفاع كبير في نسبة الجرائم في السنتين الاخيرتين مقارنة بالسنوات السابقة وخاصة جرائم السرقة. ففي عام 2017 بلغ معدل جرائم السرقة في لبنان 1563 جريمة، ليعود وينخفض هذا الرقم الى 1391 حالة في عام 2018.
هذا المعدل عاد ليشهد ارتفاعاً كبيراً مع بداية الازمة المعيشية عام 2019، بحيث بلغ معدل جرائم السرقة في هذا العام 1610، قبل ان يعود ويتطور الوضع بشكل كبير جدا في العامين الاخيرين بحيث بلغ معدل جرائم السرقة في العام 2020، 2536 جريمة.
اما الرقم الابرز، والذي يدل على خطورة الوضع فهو ما سجله لبنان حتى شهر تشرين الثاني من هذا العام، بحيث بلغ معدل جرائم السرقة حتى هذا التاريخ 5343 جريمة.
ومن أسباب ارتفاع معدلات الجريمة، ارتفاع الغلاء وتدهور الأوضاع المعيشية للمواطن والمقيم على حد سواء، هذه الأسباب دفعت بالمواطنين لارتكاب جرائم السرقة والابتزاز، بما في ذلك التشهير ببعض الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وفقاً للعميد يحيى. فأكثر من 60% من المرتكبين هم من اصحاب السوابق، وكانوا موقوفين او محكومين من قبل القضاء الذي يعاني من أزمات كثيرة ومنها: عدم حضور الموظفين الى مراكز عملهم بسبب الكورونا أو غلاء المحروقات وانهيار قيمة النقد مما يرتب هموما مالية عليهم”، واردف: “أن البطالة التي تفشت بشكل كبير مؤخراً، دفعت قسماً من الناس للتفكير بكسب المال بشتى الطرق، حتى ولو كان ذلك جرما جزائيا.من هنا ارتفعت معدلات سرقة المنازل والسيارات لأكثر من 268% مقارنة مع العام الماضي، وفقا لإحصاءات قوى الأمن.كما ان الفقر، وانهيار هيبة الدولة وتركيز الإعلام المرئي ووسائل التواصل الاجتماعي على فساد المنظومة الحاكمة من اعلى درجات السلم الى ادناها، عوامل تركت لدى المجرمين الأمل الأكبر بارتكاب جرائمهم دون الخوف من الملاحقة ومطاردة الدرك والبوليس لهم.مستمرون بالرغم من كل شيئكيف يبدو عمل قوى الامن الداخلي في مثل هذه الظروف ؟ يفصل العميد يحيى المشهد: “أن قوى الأمن الداخلي ادارة وعناصر تعاني من ضعف التجهيز اللوجستي: سيارات، محروقات، معدات، صيانة، زد على ذلك تراجع التقديمات الاجتماعية والصحية والمالية للعناصر بسبب شح الموازنة وضعف قدرتها المالية، اضافة الى عدم توفر وسائل النقل العام، بحيث أن 80% من العناصر يستخدمون السيارات الخاصة للوصول الى مراكز العمل، ما يرتب نفقات باهظة عليهم، ولكن والحق يقال انه بالرغم من أن مخافر قوى الأمن الداخلي تعمل بأقل من 35% من طاقتها بسبب تعديل الخدمة تسهيلا وتخفيفا عن مصاريف المحروقات، لكنها وللحقيقة ما زالت تعمل بكل جهد متوفر.