سياسياً، لم يصمد أكثر ادّعاء المحقّق العدلي من ساعات معدودة.
القاضي فادي صوّان ادعّى على كل من رئيس حكومة تصريف الأعمال، حسان دياب، ووزير المال السابق علي حسن خليل، ووزيري الأشغال السابقين يوسف فنيانوس وغازي زعيتر، في قضية انفجار مرفأ بيروت، بجرم الإهمال والتقصير والتسبب بوفاة وايذاء مئات الأشخاص…. فانهالت عليه الاعتراضات والاتهامات بتجاوز الدستور وباستنسابية الادّعاء وعدم شموليته، لدرجة أنّ رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب لم يتردّد في القول صراحة إنّه لن يلتزم بمضمون الادعاء، ولن يستقبل المحقّق العدلي يوم الاثنين، كما كان يُنتظر حصوله.
حتّى أنّ “حزب الله” اضطرّ للخروج عن صمته للتحذير من “سقوط التحقيق بين أدغال السياسة ولعبة الشارع وصخب الإعلام على حساب الحقيقة”، معرباً عن “رفضه بشكل قاطع غياب المعايير الموحدة التي أدّت إلى ما نعتقده استهدافاً سياسياً طال أشخاصاً وتجاهل آخرين، من دون ميزان حقّ”.
رئيس الحكومة المكلّف سعد الحريري سارع إلى تأمين غطاء سياسي محكم على موقع الرئاسة الثالثة متجاوزاً الحساسية التي يكنّها لدياب وللخصومة التي كانت تفصله عنه مسافات ضوئية.
كذلك فعل رؤساء حكومات سابقون وشخصيات سنيّة مؤيّدة لدياب، تحت عنوان حماية مقام رئاسة الحكومة من خطوة المحقّق العدلي، التي أجمع هؤلاء على وصفها بالتجاوز لأحكام الدستور.
“حزب الله” اضطرّ للخروج عن صمته للتحذير من سقوط التحقيق بين أدغال السياسة ولعبة الشارع وصخب الإعلام على حساب الحقيقة
في الواقع، لا حاجة لاستشارة حقوقيين ودستوريين للتأكد من أنّ المحقق العدلي ارتكب “خطأ” جسيماً في تسطيره هذا الادعاء، وقد تبين أنّ الرجل مطوّق بالضغوطات الإعلامية والنفسية التي يمارسها أهالي الضحايا. ما دفع به إلى تسديد هدف عاد في مرماه.
اذ أنّ نص المادة 40 من الدستور واضحة وضوح الشمس، وهي تنصّ على أنّه “لا يجوز أثناء دور الانعقاد اتّخاذ إجراءات جزائية نحو أيّ عضو من أعضاء البرلمان أو إلقاء القبض عليه اذا اقترف جرماً جزائياً إلا بإذن المجلس الذي ينتمي إليه ما خلا حالة التلبس بالجريمة (الجرم المشهود)”.
ومع ذلك، وقع مجلس القضاء الأعلى بدوره في هذا الفخّ من خلال الثناء على خطوة القاضي صوان، أسوة بما فعل نقيب المحامين ملحم خلف الذي يتردد أنّه سيعمل على تصحيح موقفه في ضوء التمايز الواضح الذي ظهر بين خلف وبين نقيب محامي الشمال محمد المراد.
وقبل انقضاء أربع وعشرين ساعة على تسطير الادعاء الذي لم يبدُ أنّ المُدّعى عليهم يعرفون ماهية مضمونه، وما إذا كان يقف عند حدود الاهمال أم سيتجاوزه الى الاتهام بالقتل، كان مشهد ردات الفعل على الشكل الآتي:
– رئيس حكومة تصريف الأعمال حسان دياب حسم رأيه بعدم الالتزام بمندرجات الادعاء وقرر عدم الخضوع لاستجواب المحقق العدلي.
– الوزير السابق علي حسن خليل يعلن أنّه “تتم دراسة موضوع الذهاب الى جلسة الاستدعاء أمام المحقق العدلي. وسأقوم بسؤال مجلس النواب قبل اتخاذ القرار”.
وقع مجلس القضاء الأعلى بدوره في هذا الفخّ من خلال الثناء على خطوة القاضي صوان، أسوة بما فعل نقيب المحامين ملحم خلف الذي يتردد أنّه سيعمل على تصحيح موقفه في ضوء التمايز الواضح الذي ظهر بين خلف وبين نقيب محامي الشمال محمد المراد
هذا يعني أنّ علي حسن خليل ارتكز إلى المادة 40 من الدستور التي تنطبق عليه وعلى النائب غازي زعيتر كونهما عضوين في مجلس النواب، ليترك هامشاً يدلّ بشكل غير مباشر على أنّهما لن يتوجها الأسبوع المقبل إلى قصر العدل للخضوع للاستجواب طالما أّنّهما محميان بهذه المادة، في موازاة العمل على صياغة ردّ دستوري على هذا التجاوز.
عملياً، يقول المعنيون إنّه لا يمكن اللجوء إلى المجلس الدستوري للطعن بقرار الادعاء ولو أنّ الأخير يشكل تجاوزاً واضحاً للدستور، ولذا يجري البحث عن صيغة قانونية تسقط ادّعاء المحقق العدلي ضمن أطر مجلس النواب.
وبهذا، يبقى السؤال عن طبيعة الخطوة التي سيقدم عليها الوزير السابق يوسف فنيانوس كونه غير مشمول بالمادة المذكورة، وما إذا كان إسقاط الادّعاء بكونه تجاوزاً لنصّ الدستور، يسري على حالة فنيانوس أم لا؟ أم أنّه سيكون الوحيد الذي سيخضع للاستجواب؟
وفق المعنيين، ثمة سيناريوهان محتملان: أحدهما يقول بالتزام يوسف فنيانوس بمقتضيات الادّعاء ولو أنّه محفوف بالضغوطات التي يتعرض لها صوان، وقد تعاظمت خلال الساعات الأخيرة بفعل “تورطه” في سوء التقدير، ما قد يدفعه إلى التصرف على قاعدة “عليّ وعلى أعدائي” من باب حماية “ماء وجهه”، فيقدم مثلا على توقيف فنيانوس من دون سواه من المُدّعى عليهم، فيما النائبان المُدّعى عليهما يحتميان بالحصانة النيابية، ورئيس الحكومة بحماية طائفته… وثمة احتمال ثانٍ وهو أن يتجاهل الادّعاء فيتمّ تسطير بحث وتحري بحق فنيانوس. فأي قرار سيتخذ؟
الأرجح أنّه لن يتخذ أيّ قرارٍ جديد..