شربل وهبة: قال ما يؤمن به عون

19 مايو 2021
شربل وهبة: قال ما يؤمن به عون
خالد البوّاب
خالد البوّاب

لا يترك لبنان باباً إلّا ويشرّعه للمزيد من العواصف. إنّها الصورة الهزليّة التي يقدّمها عن نفسه بلسان مسؤولين يتولّون إدارة شؤونه وهم في حالة انفصال تامّ عن الواقع الاجتماعي والسياسي والثقافي.

الانهيارات تتعمّم على مختلف القطاعات. وللانهيار مدخلٌ واحدٌ يبدأ من العقل، ويتوسّع ليطول كلّ المجالات.

لم يكن البلد بحاجة إلى مثل هذه الأزمة الجديدة التي تسبّب بها وزير الخارجية شربل وهبة مع المملكة العربية السعودية.

وليس النقاش هنا في تداعياتها أو في الحسابات المصلحيّة أو انعكاسات ما أطلقه الوزير العوني بحقّ دول الخليج، وعلى رأسها السعودية.

النقاش يتجاوز مصلحة اللبنانيين والحرص عليهم.

فليس هكذا تُقارَب مثل هذه الطروحات السياسية البعيدة عن الواقع والمستندة إلى حالة إنكار أو التي تركن إلى نظرية المؤامرة.

المشكلة الأساسية تكمن في هذه العقليّة التي تستسهل تزوير الحقائق وتحريفها. وتستهزئ بالعقول لاتهام دول الخليج، مثلاً، برعاية تنظيم داعش.

لا يشكّل موقف وهبة مفاجأة لناحية المضمون.

إنّ ما تفوّه به هو جانب من عقليّة راسخة لديه ولدى الفريق السياسي الذي ينتمي إليه.

لكنّ المشكلة أنّه يصدر عنه بصفته وزيراً لخارجية لبنان، وهو يؤكّد بذلك وجهة نظر المجتمع السعودي القائلة بخضوع لبنان لاحتلال فكري وسياسي وثقافي، وليس فقط لاحتلال أمني أو عسكري.

مجدّداً، لا حاجة للنقاش في تداعيات هذا الموقف على اللبنانيين في الخليج، ويجب أن لا تنطلق المقاربة من هذا المبدأ.

وكأنّ اللبنانيين، في ظل عملية التخريب المستمرّ لعقولهم، مقتنعون بما قاله وهبة، لكن يرفضون الإفصاح عنه خوفاً على مصالح اللبنانيين في الخليج. فهذا الموقف يكاد يكون أسوأ من الموقف الأساسي الذي أطلقه وهبة.


النقاش يتجاوز مصلحة اللبنانيين والحرص عليهم. فليس هكذا تُقارَب مثل هذه الطروحات السياسية البعيدة عن الواقع والمستندة إلى حالة إنكار أو التي تركن إلى نظرية المؤامرة


المعركة الأساسية ثقافية بالدرجة الأولى قبل أن تكون خاضعة لحسابات اقتصادية ومالية أو مصلحيّة.

وهنا لا بدّ أن نلفت نظر الوزير وغيره من اللبنانيين إلى جملة نقاط:

أوّلاً: كانت السعودية وكل دول الخليج في عداد التحالف الدولي لمكافحة الإرهاب، وتحديداً تنظيم داعش.

ثانياً: كانت دول الخليج المموّل الأساسي للعمليات العسكرية التي قام بها التحالف الدولي لمحاربة تنظيم داعش.

ثالثاً: كلّ الانتهاج السياسي الذي تسلكه دول الخليج يعارض بشكل واضح التنظيمات الإسلامية المتطرّفة. والمواقف واضحة في هذا الصدد، ولا تحتاج إلى شواهد متوافرة وكثيرة.

رابعاً: كان الأجدر بالوزير وهبة وغيره من الذين زرعوا في عقله وعقول الآخرين تلك النظرية المؤامراتية تجاه دول الخليج، قراءة الأحداث وتطوّراتها لمعرفة الجهات التي استفادت من تنظيم داعش، واستقاء المعلومات من مصادرها عن ظروف نشأة هذا التنظيم وتوسّعه.

خامساً: غاب عن بال الوزير وغيره من مناصري وجهة نظره، أنّ إيران والنظام السوري هما أكثر من استثمر في هذه التنظيمات الإرهابية، سواء بعسكرة الثورة السورية، أو بإطلاق سراح إرهابيين باتوا لاحقاّ قادة “داعش”، كانوا في سجون نظام الأسد السورية، وكذلك في سجون حكومة نوري المالكي في العراق، التابعة لإيران.

وكان هدفهم صناعة “بعبع سنّي” يؤمّن وظيفة لميلشيات إيران الشيعية كي تقاتله في أنحاء المنطقة.

سادساً: لا بدّ من التذكير بشكوى تقدّم بها نوري المالكي، قبل نشوء تنظيم داعش بسنوات، أمام مجلس الأمن الدولي، اتّهم فيها النظام السوري في ذلك الوقت بأنّه يقف وراء إرسال آلاف مقاتلي القاعدة إلى العراق لتنفيذ عمليات إرهابية.

سابعاً: عانت السعودية ودول الخليج الأخرى منذ سنوات مديدة بسبب الكثير من العمليات الإرهابية التي طالت أراضيها ومصالحها.

المشكلة الكبرى هي أنّ كلام شربل وهبة لا يمكن أن يشكّل مفاجأة، فهو يعبّر عن عقلية قوى سياسية بنت سياساتها وثقافتها ومفرداتها على هذا الاتهام منذ عام 2005. ونظِّرت من خلال هذا الادّعاء لمفهوم “تحالف الأقلّيّات”.

إذ استعملت إيران وميليشياتها فكرة “داعش” للتخويف من “مشروع سنّيّ لضرب الأقلّيّات الموجودة في المشرق”. وتترسّخ هذه الأفكار لدى شريحة كبيرة من الذين يتمثّلون برئيس الجمهورية وتيّاره.

ربّما قال وهبة أصدق الكلام عن حقيقة مواقف هذا الخطّ السياسي الذي يعيش حالة نكران دائم، ويقبع أسير نظرية المؤامرة التي تتملّكه ويلجأ إليها للتهرّب من مواجهة الاستحقاقات، ومن المسؤوليات الملقاة على عاتقه.

فيحيل فشله السياسي والاجتماعي والاقتصادي على مؤامرات خارجية، ويشنّ الهجوم على دول الخليج، التي أحرزت تقدماً اقتصادياً واجتماعياً هائلاً داخل مؤسّساتها ومجتمعاتها.


المشكلة الكبرى هي أنّ كلام شربل وهبة لا يمكن أن يشكّل مفاجأة، فهو يعبّر عن عقلية قوى سياسية بنت سياساتها وثقافتها ومفرداتها على هذا الاتهام منذ عام 2005


يثبت كلام وهبة فشل نظرية الكثير من الأفرقاء السياسيين الذين شاركوا في التسوية الرئاسية وأوصلوا ميشال عون إلى رئاسة الجمهورية، تحت عنوان “إخراج العهد من أدبيّات نظرية المؤامرة وتحالف الأقليّات من أجل العودة إلى التكامل مع الدول العربية”.

أخيراً يُظهر جواب رئيس الجمهورية، في بيانه الذي رفض مواقف الوزير وتنصّل منها، أنّه لم تعد في لبنان أيّ آليات للمساءلة وتحمّل المسؤولية والمحاسبة، وأصبحت كلّ القرارات أو المواقف الصادرة عن المسؤولين، الذين يتمتّعون بمواقع رسمية، تعبّر عن آرائهم الشخصية.

وهذا مؤشّر إلى حجم الانهيار التامّ في كل القطاعات. وكما لم تستطع حكومة تصريف الأعمال اتّخاذ أيّ قرار أساسي يخصّ اللبنانيين، فهي لا تقدر على اتّخاذ أيّ قرار إجرائي بحقّ الوزير، فتُرجِع ما قاله إلى آرائه الشخصية، وكأنّه محلّل عادي وليس وزيراً يمثّل الدولة اللبنانية في المحافل الدولية.

هذا هو الدرك الأسفل الذي وصل إليه لبنان. ولا بد من مواجهته دون تردّد.

المطالبة بإقالة الوزير أقلّ الواجب الوطني اللبناني، والإصرار على استقالة رئيس الجمهورية هو الحل لاقتلاع هذه المدرسة المريضة من العقل اللبناني.

المصدر أساس