لا يجد المواطنون اللبنانيون أجوبة عن أسئلتهم المتعلقة بدور ما يُسمّى “سرايا المقاومة”، وهي بالنسبة اليهم ليست سوى ميليشيا أنجبتها الميليشيا الأكبر “حزب الله”.
ويبرز إسم هذه “السرايا” عند كل إشكال أمني داخلي لا علاقة له بمقاومة اسرائيل، وكان آخرها حادثة كفرقاهل في الكورة التي قطعت أشواطاً في الخطاب الطائفي التحريضي سواء من خلال التعرض للبطريركية المارونية وسيدها بشارة الراعي، وهدد طرفها الأساس قوى الأمن الداخلي بـ “سرايا المقاومة”، على الرغم من أن “السرايا” سارعت إلى نفي علاقتها بهذا الاشكال وغسل يديها منه بعدما سلّط عليه الضوء اعلامياً!.
فمن هي “سرايا المقاومة”؟
وُلِدَت فكرة تشكيل “السرايا اللبنانية لمقاومة الاحتلال الاسرائيلي” لدى الأمين العام لـ “حزب الله” حسن نصر الله، أثناء تقديم شبان مسيحيين تعازيهم بنجله هادي في أيلول 1997 بحيث أعرب هؤلاء عن استعدادهم لأن يكونوا في صفوف “الحزب”.
وهذه الرواية استخدمها “حزب الله” ليعطي الفكرة اطاراً عفوياً، إلا أن ما حصل بعد التأسيس يؤكد أن الفكرة لم تكن عفوية ولا بنت ساعتها، بل استعد لها “الحزب” جيداً، وأطلقها في تشرين الثاني 1997، وخصّصت لشبان من كل الطوائف أي من السنّة والمسيحيين والدروز المنتشرين في المناطق غير الشيعية المحسوبة على “الحزب” مما أمّن له وجوداً وامتداداً على مدى الخريطة اللبنانية.
في بدايتها شاركت هذه “السرايا” في بعض العمليات في الجنوب ضد اسرائيل، لكن تدريجياً تظهّر دورها الحقيقي في كل الاشكالات والمعارك الداخلية من دون أي مواجهة مع اسرائيل، علماً أن “الحزب” نفسه لم يخض أي مواجهة حقيقية معها منذ العام 2006.
أولى معاركها الداخلية كانت في 7 أيّار 2008، يوم اجتاحت عصاباتها المناطق اللبنانية وتحديداً العاصمة بيروت التي كان لها نصيب وافر من رصاصها وقذائفها، بعدها في صيدا في حزيران 2013 مع أنصار الشيخ أحمد الأسير، مما أدى إلى قتلى وجرحى.
ومن ممارسات “السرايا” المشينة ما جرى عام 2016 في منطقة السعديات حيث أقدم عناصرها على افتتاح مصلى في شقة داخل مبنى تابع لـ “حزب الله” عند مدخل السعديات أي مدخل إقليم الخروب، وبدأوا برفع الأذان إضافةً إلى وضع “الندبيات” على مكبرات الصوت، وتسيير دوريات ليلية تجوب أحياء السعديات بسيارات ذات زجاج داكن حتى وصل بهم الأمر إلى إطلاق الرصاص على مقهى صغير يقع عند مدخل البلدة.
وشهدت منطقة دوحة عرمون بعد فترة إشكالاً، في شارع مريم، وتخلله إطلاق نار كثيف من أسلحة رشاشة وسقوط عدد من الجرحى.
وتضاربت المعلومات الصحافية حول سبب الاشكال وسرعان ما تبيّن أنّ السبب هو مطالبة “سرايا المقاومة” اللاجئين بالمغادرة الأمر الذي رفضه السنة واستفزّ السلفيين من أهالي المنطقة.
وفي عام 2021، وقعت اشتباكات في خلدة بين “سرايا المقاومة” وبعض المنتمين الى عشائر عربية هناك وسقط فيها بعض القتلى والجرحى.
وعلى هامش نشاطات “السرايا” احتكاكات حصلت ضد أراضي المسيحيين في لاسا ورميش.
يقدَّر عدد عناصر “سرايا المقاومة” بنحو 50 ألفاً، ينتشرون بالأغلب في مناطق مختلطة، وهي تقوم بدور ميليشيوي أكثر من أي دور عسكري مقاوِم لـ “الحزب”، كما أنها لا تتسم بالانضباط؛ بل على العكس تذكّر اللبنانيين بممارسات مقاتلي ميليشيات الحرب الأهلية اللبنانية.
وينظر اليها أبناء الطوائف الأخرى غير الشيعية على أنها مجموعة من الزعران ومطلوبين للعدالة يرهبون الناس والآمنين.
يرفض “الحزب” أي فكرة لالغاء “السرايا”، وهذا الرفض له أسباب يعتبرها جوهرية تتعلق بعمله الأمني والعسكري خصوصاً وأن لهذه المجموعات المسلحة أعمالاً جانبية كمراقبة المناطق والشخصيات وتقديم التقارير المفصّلة بصورة يومية عن معارضي المشروع الايراني الصفوي، إلى تجنيد عدد من الشبان يكون كافياً للهيمنة والسيطرة على هذه البيئات سواء كانت بلدات أو قرى أو مدناً، وترهيب أعداء “حزب الله” وإيران حتى يصمتوا ويمتنعوا عن الانتقاد.
ولا تنتهي مهمة “السرايا” عند تأجيج صراعات أمنية وعسكرية مع قوى أخرى بين الحين والآخر لزرع الرعب والرهبة والفتنة، ولإظهار أن وجود “الحزب” مباشرةً في بيئات أخرى ومجتمعات لا علاقة لها به وبمشروعه هو ضمانة الاستقرار والهدوء والأمن، إضافة إلى جمع أكبر عدد من الشبان العاطلين عن العمل أو بعض مدمني المخدرات والمطلوبين للعدالة ليكونوا جزءاً من ممارسات غير مسؤولة أو لا تحمد عقباها، ونتائجها الوخيمة تكون بالتالي على بيئة لا علاقة مباشرة لـ”الحزب” بها ولا يهمه استقرارها أصلاً.
وتنتشر “سرايا المقاومة” في مدن محسوبة على السنّة بصورة أساسية: بيروت، صيدا، إقليم الخروب وبعض بلدات البقاع، وأكثر ما يهمّ “الحزب” الطريق التي تربط بيروت بالجنوب.
واللافت أن تأمين مشروعية تغلغل “السرايا” ضمن البيئات الأخرى، تطلب رعاية مباشرة من “حزب الله”، حتى يأخذ هذا التغلغل طابعاً مقاوماً وممانعاً ويصبح جزءاً من منظومة حاضرة وقوية ويتبع لها وبالتالي يسري عليها ما يسري عليه من رعاية رسمية وحصانة أمنية.
لكن بعض المنضوين في “السرايا” قرروا الانسحاب منها بعدما وصلوا إلى قناعة بأن “الحزب” يريدهم دروعاً بشرية لمحاربة طوائفهم.
والخوف أن يتحوّل المئة ألف عنصر التابعين لـ”الحزب” كلّهم الى “سرايا مقاومة” يوجّهون أسلحتهم ضد القوى السياسية التي تعارضهم في الداخل وخصوصاً بعد اتفاق ترسيم الحدود البحرية مع اسرائيل والضمانات الأمنية في الجنوب ليكون آمناً في عملية استخراج الغاز، مما يطرح علامات استفهام حول الجدوى من سلاح “الحزب” اليوم، وبالتالي إذا كان سلاحه أصبح من دون وظيفة، فكيف بالأحرى سراياه التي أُنشئت بهدف واحد، هو، استكمال طريق الفتنة التي ما زال يسلكها “الحزب” في مشروعه الايراني المريب؟