لماذا يصرّ “حزب الله” على اختراق مدينة طرابلس، وعلى تثبيت نقاط ارتكاز أمنية في المدينة؟ وما هو الدور المنوط بالمجموعات المرتبطة به مع تمتّعها بالحصانة الأمنية الكاملة؟ التي تمكّنها عمليًّا من نقل السلاح واستخدامها، من دون أيّ ملاحقة أو متابعة من الأجهزة الأمنية.
وكيف يمكن أن تكون هناك مجموعة تستعلي على الشرعية، وتستقوي على المواطنين بسلاحها، وتتمتّع بالقدرة على النزول إلى الشارع والقيام بجميع أنواع الممارسات المثيرة للفوضى، بلا رقيب ولا حسيب.
مناسبة هذه الأسئلة التي لا تجد لها جوابًا، الخطوة الجديدة التي اتخذها “حزب الله” بافتتاح مكتب لهذه السرايا على مقربة من ساحة النور، مقابل قصر آل كرامي، على يد عبد الكريم النشار، الذي يدّعي ترؤسه حركة تُسمّى “الناصريين العرب”، بإشراف الأمين العام لـ”حركة التوحيد” الشيخ بلال شعبان، وشقيقه معاذ.
وهي خطوة استفزّت شريحة واسعة من أبناء المدينة، كونها تأتيفي سياق توسّع “حزب الله”، بالقرب من الساحة التي اجتمع فيها الطرابلسيون ليشكلوا أيقونة الثورة، خصوصًا أنّ مثل هذه المكاتب لها دورٌ أمنيّ واضح ومكشوف.
باتت ساحة النور محاصرة بمركزين تابعين لـ”حزب الله”: الأول: مركز الحزب السوري القومي الاجتماعي، في الجميزات، الذي لا يخفى وجود مجموعة مسلحة فيه، سبق أن اشتبكت مع المتظاهرين أكثر من مرّة
في الخلاصة، فقد باتت ساحة النور محاصرة بمركزين تابعين لـ”حزب الله”:
الأوّل: مركز الحزب السوري القومي الاجتماعي، في الجميزات، الذي لا يخفى وجود مجموعة مسلحة فيه، سبق أن اشتبكت مع المتظاهرين أكثر من مرّة.
والثاني: هو مركز عبد الكريم النشار، الذي لا يعمل في مجال الإغاثة الإنسانية والخدمات الاجتماعية، بل يعمل على استقطاب الشبان شديدي الفقر والفاقة، على الطريقة التي سبق أن اعترف بها بعض رُماة القنابل في زمن جولات الاشتباكات العبثية بين بعل محسن والتبانة.
ماذا يحمل النشار من طروحات ناصرية، سوى رفع صور الرئيس جمال عبد الناصر؟
هو معروف بأنّه منقطع الصلة بالقيادات الناصرية المعروفة منذ زمن طويل. واسمه لا يظهر إلّا عند وقوع الاشتباكات والإشكالات في أسواق طرابلس القديمة، حيث كان يقطن. وهناك حوّل مكان سكنه إلى مربع أمني مغلق، قبل أن يضطرّ إلى مغادرته بعد استفزازه الشديد للأهالي.
نموذج عبد الكريم النشار ليس الوحيد، فوجوه “حزب الله” في المدينة لا تُخفى على أحد. وهي عيّنة من محاولات الاختراق الكبير الذي ينفّـذه “حزب الله” في طرابلس.
وقد أحصى الناشطون وجود أكثر من ستين مركزًا ونقطة نشاط لما يسمى “سرايا المقاومة” في المدينة وجوارها، يشكِّلون حالة منظمة ومعبّأة وشرسة، ومدعومة بالمال والسلاح والنفوذ.
وهذا ما يعمد النواب والمسؤولون إلى تجاهله وغضّ الطرف عنه لأسباب كثيرة، منها السياسي، ومنها الشخصي.
لكنّهم يتجاهلون حقيقة أخرى، أشدّ خطراً، وهي أنّ هذه المجموعات المنظّمة تنتشر في المدينة مثل السرطان، ولن يكونوا بمنأًى عن استهدافاتها.
المركز الثاني: هو مركز عبد الكريم النشار، الذي لا يعمل في مجال الإغاثة الإنسانية والخدمات الاجتماعية، بل يعمل على استقطاب الشبان شديدي الفقر والفاقة، على الطريقة التي سبق أن اعترف بها بعض رُماة القنابل في زمن جولات الاشتباكات العبثية بين بعل محسن والتبانة
تأخذ “حركة التوحيد” بشقيها، آل شعبان وهاشم منقارة، الدور الأبرز في تأمين الواجهة لحضور لـ”حزب الله”، من خلال تواجدها في أبي سمراء والقبة والميناء والزاهرية.
ففي أبي سمراء، كانت الحركة قد أقامت مربعاً أمنياً في الشارع الذي يقطنه آل شعبان، وجرت إزالته بعد احتجاجات الأهالي إثر تفجير مسجدي السلام والتقوى.
كما يعتمد بلال ومعاذ شعبان واجهة العمل الصحّي لتغطية نشاطاتهما، من خلال “مركز أبي سمراء للعيادات التخصصية” في أبي سمراء، ومركز صحّي آخر في القبة – شارع ابن سينا، غير بعيد عن “مدرسة الرسالة” التي تحوّلت إلى مركز موازٍ ونالت هي والمركز الصحّي نصيبها من الاحتجاجات الأهلية لرفض وجود مسلحين فيها، خصوصاً خلال جولات القتال بين التبانة وبعل محسن.
في الميناء، اضطرّ هاشم منقارة إلى مغادرة مسجد عيسى بن مريم ومدينة الميناء، بسبب رفض أبناء مدينة الميناء توجهاته الموالية للنظام السوري ولـ”حزب الله”، فحوّل حركته إلى المنازل. وهذا الرفض مستمرّ، خصوصاً بعد انكشاف دوره في تفجيري مسجدي السلام والتقوى.
وكشف مرافقه أحمد الغريب أنّه تلقى منه 10 آلاف دولار لاغتيال الشيخ سالم الرافعي وآخرين، فحاول العودة إلى مسجد عيسى بن مريم بذريعة نيله حكماً قضائياً، لكنه لا يزال رسمياً خارجه، لذلك لجأ إلى اعتماد المنازل مراكز نشاط لمجموعته، وتحديداً في “حوش العبيد” و”التـُّرَب” وشارع علم الدين، إضافة إلى شقتين قرب محطة المحروقات عند ساحة الشراع.
أما شارع لطيفة فهو مركز نشاط آل الموري، المرتبطين بـ”حزب الله”. كما يملك بسام الموري مركزاً قرب مدرسة الطليان في الزاهرية، مع ملاحظة أنّه تعرّض يوم السبت 6 آذار لإطلاق نار أسفر عن إصابته في رجليه، وهو كان يستعدّ لتولّي إدارة المركز الذي افتتحه عبد الكريم النشار قرب ساحة النور، في عمليةٍ يرجح أنّها تهدف إلى إشعال نار الاغتيالات بين المجموعات المختلفة في المدينة.
في باب التبانة، يعتمد “حزب الله” على مجموعة يديرها (س.ح) الذي غادر المنطقة والتحق بالحزب في الضاحية، وفي حارة البرّانية يرتكز إلى (م.ط) على رأس مجموعة أمنية محترفة.
تنتشر في طرابلس عشرات الشقق التي تشكل مراكز غير معلنة لـ”سرايا المقاومة”، كما يعتمد “حزب الله” على شبكة كبيرة من العناصر التي تتوالد بسرعة البرق على شكل أصحاب أكشاك وبسطات وبائعي قهوة، وهي الأكثر فعالية وتتمتّع بالمرونة والسرعة وهامش الحركة، مع ملاحظة كفّ يد بلدية طرابلس عن تنظيم البسطات وقوننتها بحيث يمكن ضبطها اقتصادياً وأمنياً.
وتمكن الحزب بالتعاون مع المخابرات السورية من إعادة إحياء منظومة أمنية مشتركة، ينشط فيها سوريون موالون للنظام، وهي باتت تتحرّك وفق هيكلية هرمية، تتحرّك في الداخل وعبر الحدود.
واللافت أنّ أعضاء هذه الشبكات يعملون في “حراسة” بعض المتاجر الكبيرة، بينما يتولّون أعمال التخريب في أوقات الفوضى.
إلاّ أنّ الاختراق الأخطر يكمن في وصول حسن غمراوي إلى رئاسة بلدية البداوي. وهو ذكرت تقارير إعلامية عدة أنّه قام بتحويل الحرس البلدي إلى فرقة أمنية، من دون أن يصدر عنه نفي.
تدعمه علاقته المميّزة بالمحافظ العوني رمزي نهرا.
وهما شريكان في مؤامرة إخراج بلدية طرابلس من اتحاد بلديات الفيحاء، ثم فرط بلدية الميناء وإيصال غمراوي إلى رئاسة الاتحاد.
وإذا أضفنا الوضعية الخاصّة التي يشكلها النائب فيصل كرامي، الذي تمسّك بانتمائه إلى محور الممانعة بالتوازي مع انفتاحه على التعاون مع تركيا، فإنّ مجموعات تستظلّ بكرامي تتحرّك في المدار العام للحزب.
يعكس تمادي “حزب الله” في استباحته طرابلس ذلك الفراغ السياسي القاتل الذي يسيطر على المدينة.
إذ يقبع نوّابها في حالة غيبوبة دائمة عنها وعن قضاياها. بل إنّ أكثريتهم الساحقة باتت تمتنع عن التصريح، حتّى في الأحداث الكبيرة والملمّات العظيمة.
وهذا الفراغ الذي يصطنعه هؤلاء النواب، معاكس طبعًا لوعودهم الانتخابية، ولخطاباتهم السابقة المزدحمة بالعروض المغرية لناخبين باتوا يعيشون في أفقر مدينة على ساحل البحر المتوسط.
هذا الحضور الهشّ للدولة انكشف مرارًا وتكرارًا، من إحراق المصارف تحت عيون الأجهزة الأمنية، وصولًا إلى إحراق البلدية والمحكمة الشرعية، بحضور الجيش وتحت عيون قوى الأمن الداخلي.
ما يطلبه أهل طرابلس هو الحضور الفاعل والحقيقي للدولة، بجيشها وأمنها ومؤسساتها الراعية لحياة المواطنين، وهو مطلب بات يبتعد عن التحقّق وتزداد المسافات الفاصلة عنه، مع سيطرة “حزب الله” والتيار الوطني الحرّ، وبقية حلفائه، على الدولة ومؤسساتها الأمنية.
وهذا يفسّر ظاهرة العجز الأمني عن قمع مخرّبين أقدموا علنًا وتحت نظر الجيش وقوى الأمن، على محاولة إحراق السرايا وإحراق مبنى البلدية ومبنى المحكمة الشرعية.
فالأوامر تقضي بعدم التدخل، حتّى يتمتّع نيرون بمشاهدة المدينة المقاوِمة لظلم نظام آل الأسد، والرافضة للخضوع لمحور إيران، وهي تحترق.