في وقت ينغمس فيه النواب والمسؤولون بالاستحقاق الحكومي وبرسم خارطة التحالفات بين قوى معارضة وتغييرية وأخرى موالية، توالت المواقف من مسؤولين روحيين وسياسيين، تدعو الى تحقيق العودة الكريمة للنازحين السوريين إلى بلدهم، فبعد عظة البطريرك الماروني الكاردينال بشارة الراعي في ختام السينودس البطريركي الذي عقد في بكركي، والتي اعتبر فيها أن الوقت حان ليعود النازحون السوريون إلى بلادهم وبناء وطنهم واستكمال تاريخهم وحماية حضارة أرضهم، لفت بيان أساقفة الكنيسة المارونية في ختام أعمال السينودس الى عودة جميع النازحين والمهجرين إلى أرضهم وأوطانهم.
والموقف الأبرز في هذا الملف جاء على لسان رئيس حكومة تصريف الأعمال نجيب ميقاتي الذي طالب خلال رعايته إطلاق “خطة لبنان للاستجابة للأزمة لعام 2022 – 2023″، المجتمع الدولي، بـ “التعاون مع لبنان لاعادة النازحين السوريين إلى بلدهم، وإلا فسيكون للبنان موقف ليس مستحباً لدى دول الغرب، وهو العمل على إخراج السوريين من لبنان بالطرق القانونية، من خلال تطبيق القوانين اللبنانية بحزم”.
هذا الموقف اللافت بمضمونه ودلالاته وتوقيته، في يوم اللاجئ العالمي، اعتبر البعض أنه يأتي في إطار الشعبوية والمزايدة لاستمالة القوى المسيحية عشية الاستشارات النيابية، بينما رأى فيه البعض الآخر موقفاً وطنياً جريئاً في وقت باتت العودة ضرورية خصوصاً اذا توافرت الضمانات الأمنية.
عريمط: العودة طبيعية عند توافر الضمانات الأمنية
أشار رئيس “المركز الاسلامي للدراسات والاعلام” الشيخ خلدون عريمط في حديث لموقع “لبنان الكبير” الى أن “من الطبيعي في العلاقات بين دولتين شقيقتين أن يعود النازحون أو الذين هجروا قسراً الى بلادهم لاسيما وأن لبنان يمر بظرف اقتصادي واجتماعي صعب جداً. ومن الطبيعي أن تتهيأ كل الظروف لعودتهم الى بلدهم لمساهمتهم في الاعمار”، معتبراً أن دعوة الرئيس ميقاتي وغيره من القيادات الى عودة السوريين “أمر طبيعي وليست لها أي خلفيات سياسية انما تأتي في اطار تخفيف الضغط الاقتصادي والاجتماعي عن المواطنين اللبنانيين”.
ولفت الى أن “الظرف الاستثنائي الذي ألزم السوريين بالنزوح الى لبنان هو الظرف الأمني. وعندما تتوافر لدى الأشقاء السوريين، الضمانات الأمنية، فمن الطبيعي أن يعودوا خصوصاً أن المجتمعين العربي والدولي والمسؤولين اللبنانيين يحرصون على العمل على تخفيف معاناة اللبنانيين”، مشدداً على أن “ليست هناك خلفيات سياسية لهذه المواقف انما هناك حاجة ماسة لبنانية الى اعادة تموضع الوضع الاقتصادي والاجتماعي والتركيز على حاجات اللبنانيين ومساعدتهم بعد نهاية هذا العهد الجهنمي الذي حوّل لبنان الى دولة متخلفة، وأن يعاد النظر في الأولويات التي يجب على الحكومة أن تقوم بها لاسيما أننا مقبلون على انتخاب رئيس جديد للجمهورية”.
وقال: “لبنان يهيئ نفسه لمرحلة ما بعد هذا العهد الجهنمي، وفي مقدمة التهيئات، اعادة تنظيم العلاقة بين لبنان وأشقائه وتنظيم التواجد السوري في لبنان والتواجد الايراني والعراقي لأنه لا يجوز أن يبقى لبنان ساحة لمن هبّ ودبّ. وبات ضرورة وطنية وحاجة انسانية، إفساح المجال لأن ينهض لبنان بعد العهد التخريبي والتدميري”.
أضاف: “من حيث المبدأ لا بد من تنظيم العلاقات اللبنانية – السورية، وبين لبنان وأشقائه العرب وتحسين هذه العلاقات لأننا في لبنان جزء من الوطن العربي، ووضع حد للفلتان، وهذا لا يسيء الى العلاقات انما يخدم المصلحة اللبنانية أولاً والمصلحة العربية ثانياً لأن لبنان تحول الى ساحة للمصالح الاقليمية والدولية”.
الصائغ: كفى مواقف شعبويّة ونحتاج رجالات دولة
اعتبر المدير التنفيذي لـ”ملتقى التأثير المدني” زياد الصائغ أن “مواقف الرئيس ميقاتي في ما خص ملف النازحين السوريين شعبوية، وليست لها علاقة بمعطيات جديدة حول الموضوع. انها عملية مزايدة على كلام مجلس المطارنة الموارنة وعلى بيان السينودس، وليست لها علاقة بمنطق السياسات العامة خصوصاً أن حكومة الرئيس ميقاتي الأخيرة لم تقارب هذه القضية على قاعدة سياسة عامة متكاملة، والملف لم يوضع على الطاولة لا من قريب ولا من بعيد”.
ورأى أن “هناك تناقضاً في موقف ميقاتي إذ كيف يمكن أن يطلب المساندة المالية من المجتمع الدولي لمساعدة النازحين وفي الوقت نفسه يطالب بعودتهم؟ والتناقض الأخطر عند القول نريد إرجاعهم الى بلادهم بالقوانين المرعية الاجراء. ما هي القوانين المرعية الاجراء التي تعيدهم الى بلدهم في حين أن لبنان ملتزم بمبدأ عدم الاعادة القسرية، وبالعودة الطوعية التي هي عودة كريمة وآمنة تؤمنها المفوضية العليا لشؤون اللاجئين مع ضمانات؟ وهل هناك تنسيق في هذا الاتجاه؟ هذا التناقض في الطرح يؤكد أن الكلام لا أساس علمي له”.
وشدد الصائغ على وجوب “أن تكون العودة أولوية لأي سياسة عامة لبنانية لأنها تحافظ على هوية النازحين الوطنية وعلى نسيجهم المجتمعي وعلى حقهم القانوني في تقرير المصير وعلى الحق السيادي للدولة اللبنانية في الحفاظ على هويتها وكيانها، وهذا يتطلب العمل على المستوى الديبلوماسي الذي يجب أن يقوم به لبنان”، سائلاً: “أين هو الملف الديبلوماسي اللبناني من العمل على حق عودة النازحين السوريين؟ أين توقيع بروتوكول التعاون بين المفوضية العليا لشؤون اللاجئين والدولة اللبنانية؟”، مشيراً الى أن “هذا ما لم تقم به الدولة تحت ذريعة أنه في حال وقّعت بروتوكول التعاون نصبح دولة لجوء ضمن اتفاقية 1951 وهذا غير صحيح”.
أضاف: “هل قام لبنان بالتمييز في التصنيف بين العامل وبين النازح السوري؟ لبنان اعتمد حتى الآن نوعين من السياسة إما الاستجداء التمويلي أو التهويل التحريضي”. وأكد أن “التحدي الأساس يقع على عاتق القوى التغييرية السيادية الاصلاحية بأن تنقل موضوع النزوح السوري الى مستوى الحوار العلمي وإلى مستوى السياسات العامة، وليس صحيحاً أن هناك مؤامرة كونية على لبنان”.
ولفت الصائغ الى أن “المجتمع الدولي فشل في إيجاد حل سياسي لعودة النازحين، لكن الأزمة لا تُدار على المنابر كما تديرها المنظومة في لبنان في موضوع اللجوء الفلسطيني والنزوح السوري، بل بتبني مقاربة دولتيّة متكاملة أساسها الحقوق والواجبات والعودة”.